كشف لملابسات تعامل الصحافة الفرنسية مع “معركة أنوال” التاريخية بالريف المغربي، يحضر في أحدث أعداد “مجلة ليكسوس” المتخصصة في التاريخ.
هذا الملف الجديد في العدد 46 من الدورية المحكمة، الذي يمكن الاطلاع عليه رقميا، يتتبع نموذجين بارزين من الصحافة الفرنسية قبل قرن من الزمن، مسائلا تأريخهما للمعركة، ومعالجتهما لأخبارها، علما أن المصدر الوحيد كان “إسبانيا، ولم تكن توجه للصحافة إلا بعد مرورها من مصفاة الرقابة الإسبانية.”
يتناول الملف أيضا “مسببات الكارثة التي حلت بالقوات الإسبانية وتداعياتها، وكيف هزت الرأي العام الإسباني مواجهات قادها مجموعة من المقاومين تحت قيادة محمد بن عبد الكريم، وتمكنت من إلحاق الهزيمة/العار بالقوات الإسبانية بقيادة الجنرال سيلفيستري، الذي قاد حملة عسكرية هوجاء على المغرب دون استعداد ولا كفاءة، على حد قول المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان. ستنتهي المعركة بكارثة تجليها الخسائر الإسبانية الموزعة بين: 1500 قتيل، و20 ألف بندقية، و1500 أسير، وفق إحدى الجريدتين.”
ويتطرق العدد لـ”الرجة التي أصابت النظام الإسباني، والقلق الذي عبرت عنه الجريدتان فيما يتعلق بمصير النفوذ الفرنسي بالمغرب. وفي خضم تناقضات رؤى الرأي العام الإسباني والفرنسي في كيفية التعامل مع الكارثة، والمخاطر التي أصبحت تهدد منطقة النفوذ الفرنسي، كانت هناك قرارات تفرض نفسها، ارتأت الجريدتان، ودعتا إلى ضرورة التعاون بين فرنسا وإسبانيا بالمغرب.”
ملف “ليكسوس” الذي أعده في مئوية أنوال عبد السلام بوطافي، باحث في التاريخ المعاصر، أورد أن “معركة أنوال” تعد “حدثا تاريخيا بارزا في العلاقات المغربية الإسبانية، فهي الجرح النازف أبدا، والطابو في الذاكرة الإسبانية، والنجمة المرصعة لسماء الذاكرة المغربية الملبدة بغيوم الهزائم والانكسارات”.
وقال المتخصص في التاريخ المعاصر: “في هذه المعركة كبدت المقاومة المغربية بالشمال القوات الإسبانية هزيمة نكراء، جللت الإسبان بالعار، وأبرزت عدم أهلية إسبانيا في الارتقاء إلى مستوى قوة إمبريالية قادرة على فرض سطوتها على الأراضي التي آلت إليها بموجب الأوفاق التي نظمت عملية تقسيم مناطق النفوذ في العالم بين القوى الأوروبية الاستعمارية”.
وتابع: “كانت كذلك عنوانا على عدم كفاءة إسبانيا في وضع سياسة استعمارية جذابة، وذلك بتبنيها لسياسة المواجهات الدموية العنيفة في مواجهة الخصوص، كما كانت تعبيرا عن فساد المؤسسة العسكرية الإسبانية”.
وحول تعامل الصحافة الفرنسية الصادرة بالمغرب الرازح تحت الاحتلال الأجنبي، قال الباحث: “نلمس في خطابها استهجانا مضمرا لردود أفعال إسبانيا الهوجاء، حقا أنها لم تستطع إدانة ممارساتها القمعية، ولكنها في نفس الوقت لم تمجدها”.
وتتبع الباحث انتقال هذه الصحافة من “النقل المباشر للأحداث، والاكتفاء بالمصدر الوحيد للخبر، وغير المحايد، فالخروج عن هذه الحيادية السلبية، بتنويعها لمصادرها، وبانتقادها المضمر، وأحيانا الصريح لبعض المواقف الإسبانية على المستوى السياسي، خاصة فيما يتعلق بالاتهامات الإسبانية لفرنسا بالتواطؤ أو التغافل عن تحركات المقاومة بمنطقة نفوذها واتخاذها قاعدة خلفية، تنطلق منها لشن غاراتها على المواقع الإسبانية”.
ثم ذكر الملف أنه “مع تبين حقيقة مآلات كارثة أنوال، تفجرت مواقف جديدة (…) دون مواربة، حين تبين لها الأبعاد الحقيقية لأنوال (…) فهذه المعركة ستكون لها ارتدادات واهتزازات عميقة على المستوى الدولي والمحلي”.
ويضم هذا العدد أيضا مجموعة من الأبحاث في تاريخ نشأة وتحول انفصال جبهة البوليساريو، وتجليات الفقر بمجتمع تطوان، والنضال الفكري المشترك خلال العشرينات بين المغرب وتونس، والأعيان الجزائريين بالمغرب، ومستوطنة المغاربة التاريخية بفلسطين إلى بداية القرن العشرين، والتحول من المِلك المخزني إلى الخاص، وأزمة الماء في المناطق الجافة وشبه الجافة بالبلاد، والرحلة الحجية لمحمد بن محمد بن عبد الله المنزواري التمراوي السوسي.
يذكر أن مجلة “ليكسوس” يشرف علميا على أبحاثها أكاديميون وباحثون، هم: عبد المجيد القدوري، بلكامل البضاوية، محمد أبيهي، خديجة الراجي، محمد سعيد المرتجي، جمال الكراكز، مصطفى الريس، حكيم عمار، خالد الصقلي، عبد الرزاق السعيدي، مصطفى المرون، مونية أيت كبورة، خالد أعسو، عبد الهادي فك، وعبد الرحيم أمل.
وتتخصص “ليكسوس” في البحث المحكم في التاريخ، وتسعى إلى أن تكون “رافدا ومرجعا علميا للطلاب والباحثين الشباب بالجامعات المغربية”، كما تأمل عبر حضورها الرقمي الإسهام في “نشر المعرفة التاريخية على نطاق واسع”.
المصدر: وكالات