عندما أعلنت الأمم المتحدة أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستستضيف قمة المناخ 2023، المعروفة بـ«كوب 28» استغرب العديد من أنصار البيئة. فهل يعقل أن يعقد مؤتمر لحماية البيئة في دولة نفطية؟ وعندما أعلنت الإمارات العربية المتحدة أن رئيس المؤتمر، سيكون رئيس شركة النفط الوطنية في الدولة، سلطان الجابر، ازداد الاستغراب أكثر. ولكن يجب على الناشطين أن يتوقفوا عن الشكوى والتذمر، إذ إن الجابر هو بالضبط نوع الحلفاء الذين تحتاج إليهم البيئة.
ولخص الجابر، خلال زيارته الأخيرة إلى الهند خطورة التحديات الماثلة أمام العالم. ونقل رغبة دولة الإمارات في مساعدة الهند لتحقيق أهدافها الطموحة، بالحصول على طاقة نظيفة. ودعا إلى مزيد من الاستثمارات في تقنية التخلص من الكربون، بما فيها الطاقة النووية والهيدروجينية. وأيد نهج المجتمع الشامل الذي يدعو إلى حشد كل القطاعات، ويطلب مزيداً من بنوك التنمية والمؤسسات المالية.
قضية الفيل
وتحدث الجابر عن قضية الفيل الموجود في الغرفة: أي الحاجة إلى تخفيف تأثيرات الوقود الأحفوري على المناخ، خلال مرحلة التحول إلى الطاقة النظيفة. وقال الجابر «إنه ليس صراع مصالح» ملمحاً إلى الانتقادات الموجهة إليه، بالقول «من مصلحتنا جميعاً جعل صناعة الطاقة تعمل جنباً إلى الجنب مع الجميع» ولا يوجد مهرب من حقيقة أن العالم لايزال بحاجة إلى النفط والغاز، وسيظل كذلك حتى فترة مقبلة من الزمن، وهي حقيقة يحاول بعض نشطاء البيئة تجاهلها. وفي الواقع فإن محاربة تغير المناخ ليس قضية إنهاء إنتاج النفط والغاز بصورة فورية، وإنما تطوير ما يكفي من الطاقة النظيفة لمرحلة التخلص من الوقود الأحفوري بصورة تدريجية، في أسرع وقت ممكن، والقيام بذلك على نحو يعزز الأنظمة الاقتصادية ويرفع مستوى المعيشة، من خلال السياسات التي «تدعم النمو ونظافة البيئة، في الوقت ذاته» حسبما ذكره الجابر.
كيفية بناء ثقافة ابتكار الأعمال
من المؤكد أن الجابر له مصالح مالية في إنتاج النفط، بيد أنه لديه مصلحة في صناعة الطاقة النظيفة أيضاً. وهو مؤسس والرئيس التنفيذي الحالي لشركة «مصدر»، التي تهدف إلى إنتاج 100غيغاواط من الطاقة المتجددة مع نهاية العقد الحالي، وهو هدف يتجاوز تلك الأهداف التي وضعتها بعض كبرى الدول الأوروبية. وإذا هدفت كل دولة إلى إنتاج الكمية ذاتها من الطاقة المتجددة للفرد خلال السنوات السبع المقبلة، كما هو الحال لدى الإمارات العربية المتحدة، فإن العمل الكفاحي ضد تغير المناخ يمكن أن يكون قد آتى أُكله. وأيد معظم قادة دول العام تعيين الجابر، وقرار الأمم المتحدة باستضافة دولة الإمارات قمة «كوب 28» بمن فيهم جون كيري الممثل الخاص للرئيس الأميركي جو بايدن للمناخ.
مضاعفة الضغوط
وخلال التحضيرات لقمة نوفمبر، من المهم أن يضاعف الجابر الضغوط على الدول الثرية كي تفي بالتزاماتها في تنمية العالم، ودفع بنوك التنمية وصناديق الثروات السيادية إلى توسيع طموحاتها، وأن تساعد في التغلب على العوائق الماثلة أمام استثمارات أكبر للقطاع الخاص، في مشاريع الطاقة النظيفة، خصوصاً في العالم المتطور. ويستطيع الجابر تبديد شكوك العامة حول جدوى انعقاد هذه القمم، عن طريق استهداف أكبر عقبة تقف في طريق التقدم في الحفاظ على نظافة المناخ، وهي محطات الطاقة التي لاتزال تعمل بالفحم. وأصبحت الطاقة النظيفة حالياً أرخص سعراً من الطاقة التي يتم إنتاجها بالفحم الحجري، في معظم دول العالم. وأما في الأماكن التي لايزال فيها الفحم يحتفظ بميزة سعرية (وعادة بسبب الدعم) فإن الشراكات الجديدة بين القطاعين العام والخاص، كالتي طرحتها مجموعة الدول العشرين في قمتها في إندونيسيا العام الماضي، تستطيع مساعدة الدول على تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
وبالطبع فإن هناك اختلافاً بين إلقاء خطاب جيد وحشد العالم من أجل العمل الجاد. ولهذا كان من المشجع سماع الجابر وهو يؤكد في خطابه، أن قمة هذا العام بجب أن تكون «قمة كوب للتحرك والعمل» وهي التي ستنقل العالم «من مجرد الحديث عن الأهداف إلى إنجاز هذه الأهداف» وبالطبع فإن ناشطي الحفاظ على البيئة سيعلقون آمالهم على الجابر، وهم على صواب، لترجمة الكلمات إلى أفعال، ولكنهم يجب أن يعترفوا بأنه يمكنهم فعل أكثر من ذلك عندما يقبلون به حليفاً للبيئة وليس عدواً لها.