منذ اليوم الأول لحدوث الزلزالين في تركيا وسورية مطلع هذا الشهر، أثيرت قضية الغش في تشييد بعض المباني الحديثة، حيث كان يجب أن تكون بنيت بمواصفات مقاومة للزلازل، إلا أنه ثبت ضعفها أمام ما حدث، ما استدعى ضبط وإحضار مجموعة كبيرة من المقاولين الذين نفذوا مشروعات بناء حديثة تعرضت للهدم بشكل مثير للشبهات بحدوث غش في البناء، ولايزال هذا الموضوع متفاعلاً على الساحة التركية حتى الآن وتحول الى تريند لأيام عدة، خصوصاً أنه ثبت أن شركات بناء أجنبية متورطة في عمليات البناء المغشوشة، وسنحاول تسليط الضوء على بعض تفاصيل هذه القصة.
ظلت عائلة المرأة التركية ايصيل كايا (68 عاماً) تشعر بالقلق من أن منزلها يمكن أن ينهار نتيجة تعرضه لأي زلزال، وكالكثير من المنازل في تركيا فقد تم بناؤه بصورة غير قانونية وفي حال سيئة، ولهذا في نهاية المطاف قامت ببيعه واشترت منزلاً جديداً. وتحمل المنزل الجديد الضربة الزلزالية بقوة 7.8 درجات حسب مقياس ريختر، إضافة إلى عدد كبير من الزلازل الارتدادية التي ضربت جنوب تركيا في السادس من فبراير، ولكن منزل كايا تحمل كل ذلك، وعندما كانت في المستشفى تتلقى علاجاً لألم في ظهرها في ذلك المساء، انهار جناح المستشفى الذي كانت فيه.
ولقي نحو 70 مريضاً مصرعهم، وكذلك العديد من الطاقم الطبي، وكذلك كايا في مستشفى «إس إس كي» في مدينة إسكندرون الواقعة على البحر المتوسط، وهي أحد الأماكن الأشد تأثراً بالزلازل. وعندما جاء حفيد كايا ويدعى أليكان كينار إلى مكان المستشفى بعد ساعتين من الزلزال، شاهد أن طوابق المبنى قد سويت بالأرض. وتم العثور على جثة كايا في القبو بعد مرور أربعة أيام. وقال كينار «كانت لاتزال في سريرها، وهي تحمل القرآن».
وهذا النمط من التدمير في إسكندرون يرجع إلى الفساد الذي تعانيه صناعة البناء التركية. وفي مدينة أنطاكيا المجاورة، وهي مدينة تقبع على صدع شرق الأناضول، تعرضت جميع المباني سواء التاريخية أو الحديثة للأضرار، أو حتى تدمرت، ولكن في اسكندرون لاتزال المباني الأكثر قدماً صامدة في حين انهارت الأحدث منها. وإلى جانب المستشفى الذي انهار، ثمة مبنى مؤلف من 12 طابقاً ظهرت شقوق عميقة في جدرانه، في حين أن المنزل الموجود بجانبه وأخفض منه وأكثر قدماً كان سليماً.
وفي عام 2013 أصدرت الحكومة التركية قراراً يسمح بمصادرة على المناطق التي تعتبر خطرة. وكانت اسكندرون تصنف باعتبارها منطقة كوارث خطرة لقربها من الصدع الزلزالي، الأمر الذي يعني أن هذه المباني يجب أن تكون خاضعة لقوانين أكثر صرامة. وقام الباحث في تطور المناطق الحضرية مراد غوني بدراسة كيفية رسم المناطق الخطرة في إسطنبول والتي تقع شمال الصدع الزلزالي لشمال الأناضول. وخلص إلى أن القرارات كانت تعتمد على الأرباح، فهناك مناطق تم الاهتمام بها في حين أن مناطق أخرى تركت كما هي.
وتم إنفاق الكثير من الأموال على المشافي التي تم إنشاؤها حديثاً من قبل حكومة الرئيس رجب طيب أردغان في تركيا، حيث تم تخصيص نحو 14 مليار جنيه إسترليني لبناء 18 مستشفى ضخم في المدن الكبيرة، وتم ذلك بالتعاون مع المملكة المتحدة، وقام العديد من كبار مسؤولي وزارة الصحة بزيارة بريطانيا في سبتمبر عام 2014، وشاهدوا العديد من المشافي البريطانية وتم تعريفهم بالعديد من المقاولين والاستشاريين البريطانيين، وقامت 22 شركة بريطانية تعنى بالرعاية الصحية بزيارة إلى تركيا نظمتها وزارة التجارة والصناعة.
وتم اعتبار برنامج أنقرة لبناء المشافي «فرصة لا تعوض» بالنسبة للشركات البريطانية، حيث ثمة احتمال أن تكسب نحو 1.25 مليار جنيه إسترليني على التخطيط وإدارة المشافي، والتصميم والرسم المعماري. وقالت وزارة التجارة الدولية في المملكة المتحدة: «كجزء من الدعم للشركات البريطانية حول العالم، تم تقديم بعض الشركات العاملة في تركيا في بعض المناسبات إلى شركاء يعملون في صناعة البناء التركية، أو أنهم شركاء فيها».
ولطالما كانت المشافي الجديدة التي تم بناؤها مصدر فخر للحكومة، وتعبر عن مدى اهتمامها بالمواطن التركي، وهذا ما ساعد حزب العدالة والتنمية الحاكم على الفوز بالانتخابات.
ولطالما كانت صناعة البناء بصورة عامة هي القوة الدافعة في تحريك الاقتصاد خلال الـ20 عاماً الماضية، ولكن بعد حدوث الزلزال الأخير اتضح أن الكثير من المباني لم تكن متوافقة مع قوانين الزلازل على نحو صارم، خصوصاً في بلد يقع على منطقة تصدع زلزالي. وستكشف الأيام المقبلة ما إن كانت الشركات البريطانية قد تورطت في تشييد مستشفيات مخالفة للمواصفات الزلزالية أم لا.