يُنبئ الإعلان الياباني، الصادر في ديسمبر 2022، عن استراتيجية دفاع أكثر نشاطاً بمرحلة جديدة في التحالف الياباني الأميركي، وجاء في بيان مشترك بين رئيس الحكومة الياباني، فوميو كيشيدا، في 13 يناير، والرئيس الأميركي، جو بايدن «إننا نقوم بتحديث تحالفنا العسكري، استناداً إلى الزيادة التاريخية في الإنفاق العسكري للدفاع، واستراتيجية اليابان الوطنية الأمنية».
وتعتبر اليابان مكوناً مهماً بالنسبة لبنية واشنطن الأمنية في شمال شرق آسيا. وهي تستضيف نحو 54 ألف جندي أميركي يعملون في 85 قاعدة أو منشأة يابانية. وإضافة إلى ذلك تقدم اليابان نحو 1.7 مليار دولار سنوياً لدعم تمويل الجنود الأميركيين.
التهديد الشيوعي
ويمكن إرجاع الأساس المنطقي لهذا التحالف إلى نهاية الأربعينات، وبداية خمسينات القرن الماضي، عندما حكم الشيوعيون البر الصيني وكانت بداية الحرب الكورية. وفي هذا السياق، اعتبرت الولايات المتحدة اليابان قوة حاسمة تواجه التهديد الشيوعي المتنامي. وذكرت تقديرات المخابرات الوطنية الأميركية عام 1951 ثلاثة أسباب تدفع الولايات المتحدة إلى جلب اليابان إلى نظام تحالفاتها في المحيط الهادي، وهي الإمكانات الصناعية لليابان، وقوة عمالتها المدربة، والموقع الجغرافي للدولة المجاورة للبر الآسيوي.
وخلال كتاباته عام 1965، لخص السفير الأميركي في اليابان، إدوين ريشاور، ثلاثة أهداف أساسية من أجل العلاقة مع اليابان، أولاً لضمان عدم انتقال إمكانات اليابان الصناعية إلى الجانب الشيوعي، أو إلى موقع الحياد. وثانياً، للحفاظ على طريق يؤدي إلى قواعد الولايات المتحدة الموجودة في اليابان وجزر ريوكيو «بما فيها أوكيناوا»، وثالثاً، لتشجيع اليابان على لعب دور نشط في التطور الاقتصادي للدول الحرة في شرق وجنوب آسيا.
ولكن ثمة هدف أميركي آخر كان الضغط على اليابان لإنشاء قدراتها العسكرية كي تستطيع المساهمة، حسب وصف ريشاور، بأن الشعب الياباني قام «ببناء أسطورة تفيد بأن السلام في اليابان كان نتاج (دستور مسالم) وليس الموقف الدفاعي للولايات المتحدة في أقصى الشرق».
دور اليابان الأمني
ولكن لا يتفق الجميع في حكومة الولايات المتحدة مع وجهة النظر التي تقول إنه ينبغي الضغط على اليابان بهذه الطريقة. وفي عام 1968، أصدر مجلس تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية تقريراً بعنوان «دور اليابان الأمني في آسيا»، وطرح ثلاثة سيناريوهات محتملة للتطور العسكري الياباني، والتي تراوح ما بين بناء القدرة العسكرية من أدنى حد إلى أعلى حد ممكن.
وفي جانب الحد الأدنى، كانت استراتيجية ألفا «فقط من أجل الدفاع»، حيث ستحتفظ اليابان بأدنى حد من القدرات، في حين تعتمد حصراً على الولايات المتحدة. وأما السيناريو الثاني فكان استراتيجية بيتا «الدفاع إضافة إلى حفظ السلام»، حيث تطور اليابان قدراتها العسكرية الدفاعية، ولكنها ستقصر تعاملها مع دول العالم على حفظ السلام فقط.
وأما سيناريو الحد الأعلى فقد أطلق عليه استراتيجية «غاما»، أي «تكون قوة عسكرية إقليمية»، حيث تقوم اليابان ببناء قوة عسكرية فعّالة، وبالتالي تتمتع بـ«دور إقليمي واسع إلى حد كبير، ما يسمح لها بتولي جزء مهم من الأمن، على الأقل في منطقة شمال شرق آسيا». وأشارت دراسة وزارة الخارجية إلى أنه بالنسبة للعديد من مخططي سياسة الدفاع الأميركية، فإن استراتيجية «غاما» تبدو متفائلة لأنها ستؤدي إلى اليابان ذات القدرات العسكرية التي يمكن أن تخفف عن الولايات المتحدة عبء أمنها الإقليمي، ولكن الدراسة أشارت إلى أن استراتيجية «غاما» ستكون سيفاً ذا حدين. إذ إن اليابان التي تمتلك «قدرة عسكرية مستقلة مهمة» يمكن أن تؤدي إلى «ضغوط قومية»، وتشجع طوكيو على السعي من أجل «الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة».
الرد بعدوانية
وفي السياق المعاصر، فإن اليابان التي تمتلك قدرات جديدة، مثل الصواريخ المتطورة، يمكن أن تدفعها إلى القيام أو الرد بعدوانية في المكان والزمان التي تختاره. وفي مثل هذا السيناريو، ستكون الولايات المتحدة وفق المادة 5 من معاهدة الدفاع، مجبرة على دعم حلفائها، وربما تدخل في الصراع.
والأمر الأكثر أهمية، أن استراتيجية «غاما» تنطوي على تأثيرات كبيرة على النقطة الثانية والرئيسة، في التحالف الأميركي الياباني، وهي الردع بالنظر إلى أن الأميركيين «ملتزمون بالردع، والرد عند الضرورة عبر مجموعات من السيناريوهات النووية وغير النووية للدفاع عن الحلفاء والشركاء».
وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تفضل حرية العمل في الرد، سواء كان نووياً، أو غير نووي، استناداً على وعود الردع الأميركية لليابان، فإنها غالباً ما ركزت على البعد النووي، ولهذا جاء مصطلح «المظلة النووية»، ولكن استراتيجية «غاما» التي شجعت فيها الولايات المتحدة اليابان على استثمار مزيد من الموارد في جيشها، يمكن أن تؤدي إلى جعل اليابان أكثر استعداداً للحصول على «قدرات نووية مستقلة»، وفق دراسة وزارة الخارجية. واختتمت الدراسة بالاشارة إلى أن الخيار الذي يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة سيكون هو تشجيع الخيار «بيتا» (الوسط) الذي تمتلك بموجبه اليابان قدرات معقولة وانتشار دولي محدود، مثل «حفظ السلام».
اختلاف الأمن بين الماضي والحاضر
ولكن بيئات الأمن في عام 1968، و2023 مختلفتان تماماً، إذ إن اليابان وحتى التحالف الأميركي الياباني، يواجه تهديدات تقليدية ونووية حادة صادرة عن دول جارة، وهو الأمر الذي لم يكن من الممكن تخيله قبل عقد من الزمن. ولهذا فإن اليابان تعمل على خيار «غاما» بمبادرة منها.
وبناءً عليه، كيف يمكن تجنب مخاطر استراتيجية «غاما»؟ من ضمن العديد من الأعمال التي يتوجب على الولايات المتحدة واليابان القيام بها، هو توطيد العلاقة العملياتية بينهما من خلال زيادة التمرينات المشتركة. ومن الواضح أن الأيام الخوالي التي كان التحالف الأميركي يستند فيها الى التسلسل الهرمي، حيث تقدم الولايات المتحدة العضلات العسكرية، واليابان الدعم اللوجستي قد انتهت. وباتت اليابان شريكاً متساوياً. وهذا يتطلب إدارة وتخطيطاً دقيقين سيؤديان إلى تحالف أكثر مرونة، وقادر على مواجهة التهديدات الأمنية المعاصرة والمستقبلية.
• تعتبر اليابان مكوناً مهماً بالنسبة لبنية واشنطن الأمنية في شمال شرق آسيا. وهي تستضيف نحو 54 ألف جندي أميركي يعملون في 85 قاعدة أو منشأة يابانية. وإضافة إلى ذلك تقدم اليابان نحو 1.7 مليار دولار سنوياً لدعم تمويل الجنود الأميركيين.
• اليابان وحتى التحالف الأميركي الياباني، يواجه تهديدات تقليدية ونووية حادة صادرة عن دول جارة، وهو الأمر الذي لم يكن من الممكن تخيّله قبل عقد من الزمن.
تعهّد أميركي بالدفاع عن اليابان
تعهّد الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل أيام، بالدفاع عن اليابان، مؤكداً على متانة التحالف بين البلدين.
وأشاد بايدن خلال استقباله رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، في البيت الأبيض، بقوة تحالف البلدين، والدور المتزايد الذي تنوي طوكيو القيام به في حماية الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وقال بايدن: «أريد أن أكون واضحاً للغاية، الولايات المتحدة ملتزمة تماماً وبشكل حازم وكامل في هذا التحالف، والأهم من ذلك الدفاع عن اليابان». ورحب الرئيس الأميركي بـ«الزيادة التاريخية» في الميزانية العسكرية لليابان، واستراتيجيتها الأمنية الجديدة.
من جانبه، تحدث رئيس الوزراء الياباني عن العقيدة الدفاعية الجديدة التي أُقرت في ديسمبر 2022، التي تنص على زيادة هائلة في ميزانية الدفاع. وقال إن من شأنها أن «تفيد قدراتنا على الردع والاستجابة»، وهي رسالة إلى بكين وبيونغ يانغ.
وقال إن «العدوان الروسي على أوكرانيا يمثل النهاية الكاملة لعالم ما بعد الحرب الباردة». وأضاف «إذا سمحنا بالتغيير الأحادي للوضع الراهن بالقوة، فسيحدث ذلك في أماكن أخرى من العالم، بما في ذلك آسيا»، في إشارة مستترة منه إلى تايوان وسط مخاوف من حدوث غزو صيني.
في هذا الصدد، تضغط واشنطن من أجل فرض قيود أقوى على صادرات أشباه الموصلات الصينية.
وتُظهر اليابان طموحات جديدة في مواجهة الصين، تشمل الدفاع الفضائي، ونشر مزيد من قوات «المارينز» في أوكيناوا، وإبرام اتفاق عسكري مع لندن. وأصبحت طوكيو تعتبر أن بكين تمثل «تحدياً استراتيجياً غير مسبوق» لأمنها.
بول سميث.. أستاذ قضايا الأمن الوطني في الكلية الحربية البحرية الأميركية