رجلان تربطهما علاقة صداقة وعمل طويلة، دار بينهما نقاش، وأرسل أحدهما إلى الآخر رسالة نصية تتضمن لفظاً بذيئاً على سبيل المزاح، دون أن يساوره أدنى شك في احتمالات غضب صديقه، لكن فوجئ بأن الأخير حرر بلاغاً ضده، وفشلت كل محاولات الصلح، وقيدت قضية، وصدر حكم بإدانته!
هذه الواقعة متكررة، ولا تقتصر على الأصدقاء فقط، إذ إن هناك قضايا قيدت بين أزواج وأشقاء، وهذا يقودنا إلى حقيقة واحدة، وهي أن الرسالة البسيطة التي ربما تكون بغرض المزاح، أو العتاب، قد تتحول إلى دليل يقود صاحبها إلى ساحات القضاء والإدانة!
والسؤال الذي يطرح نفسه من واقع ما نشهده من دعاوى، هل تغير الناس؟، ولماذا ضاقت مساحة التسامح؟
ما الذي يمكن أن يدفع زوجة إلى مقاضاة زوجها بسبب رسالة غاضبة؟، أو شقيق يبلغ عن شقيقه، رغم أننا ورثنا ثقافة التسامح والاستيعاب والتقدير؟
خبراء تقنيون، واستشاريو علم نفس واجتماع وذوي صلة، توصلوا إلى أن تأثير ما يكتب في رسالة نصية يختلف كلياً عما نتلفظ به، فالكلمات المكتوبة تصل جامدة مجردة، لا تحتمل سوى معناها فقط!
أما ما نتلفظ به، فيعتمد على تعبيرات وجوهنا، ونبرة أصواتنا، وطريقة تمثيلنا لما نقول، فمن الممكن أن يمازح أحدنا صديقه شفهياً بكلمة أو عبارة تعد مسبة في مناسبة مختلفة، فيضحك الآخر، ويقابل المزاح بمثله، فيما أن السياق يختلف كلياً لو كانت الكلمة مكتوبة، إذ ربما تصل إلى متلقيها متأخراً حين يكون في مزاج لا يسمح له بقبولها!
ما سبق يفرض علينا إدراك واقع مهم، واستيعابه والتصرف بموجبه، وهو أن ما نكتبه يظل موثقاً ويمكن أن ينقلب ضدنا غداً أو الأسبوع التالي، وحتى ثلاثة أشهر تمثل الحد الأقصى للاستدلال على جرائم السب الإلكتروني.
ويجب أن نلم بالتبعات القانونية لهذا السلوك، فبحسب المادة 43 من المرسوم بقانون رقم 34 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من سب الغير أو أسند إليه واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو الازدراء، من قبل الآخرين باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.
ويجب أن نفطن إلى حقيقة مهمة، وهي أن المحاكم تستعمل الرأفة أحياناً حيال المتورطين في جرائم السب وتطبق عليهم عقوبة مخففة، لكن صدرت أحكام مشددة من المحكمة العليا، حيال مدانين طالبت النيابة العامة في طعونها بتطبيق قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية حيالهم!
القصد أن العواقب ربما تكون وخيمة، وهناك حالات عدة لأشخاص عانوا كثيراً بسبب كلمة أو عبارة صدرت منهم في حالة غضب أو لحظة مزاح، لذا يجب أن نفكر كثيراً قبل الضغط على زر الإرسال.
محكم ومستشار قانوني