طفلة تبلغ من العمر 13 عاماً، عانت انحرافاً سلوكياً، فاعتادت الهرب من المنزل، والخروج مع شباب، وحين راجعت الاستشارية النفسية والتربوية، الدكتورة ناديا بوهناد، كشفت لها أنها بدأت طريق الانحراف حين تلقت محتوى إباحياً «فيديو» عبر تطبيق «سناب شات»، حين كانت في التاسعة من عمرها.
وكشفت شرطة دبي عن إجراء استباقي اتخذته إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية للحد من الجرائم التي تستهدف الأطفال عبر الإنترنت، من خلال دوريات رقمية ترصد أي احتمالات للمخاطر قبل وقوعها، وضبطت أشخاصاً تورّطوا في تحميل ومشاركة محتوى مخلّ للأطفال، وأعلنت في وقت سابق ضبط شخص استدرج تسعة أطفال عبر لعبة «فورت نايت»، وحاول ابتزازهم بعد الحصول على صور مخلّة لهم، بعد إغرائهم بالمال لزيادة نقاطهم. وأدان القضاء عاطلاً استدرج طفلاً إلكترونياً ودفعه إلى تصوير نفسه وإرسال الصور له، ثم ابتزه لاحقاً بتلك الصور، لكن الطفل لجأ إلى شقيقه الأكبر الذي تقدم إلى الجهات المختصة، بعد تعرض أخيه لضغط نفسي كبير بسبب المتهم الذي عوقب بالحبس عاماً. «الإمارات اليوم» تطرح القضية عبر هذا التحقيق للتوعية بمخاطر ترك الأطفال عُرضة لضعاف النفوس الذين يستدرجونهم إلكترونياً بمواد مخلّة لابتزازهم لاحقاً جنسياً.
وحذّر خبراء ومختصّون، عبر «الإمارات اليوم»، من مخاطر نفسية وأخلاقية وأمنية تمسّ الأطفال عند تعريضهم لمحتوى إباحي في سن صغيرة، مؤكدين أنها تمثل صدمة أخلاقية بالنسبة لهم، وتبدأ مباشرة من لحظة تعرّضهم لهذه المواد، سواء كانت صوراً أو أفلاماً أو روابط، مشيرين إلى أن هذه المواد منتشرة ويسهل الوصول إليها عبر تطبيقات تواصل اجتماعي مثل «يوتيوب» و«إنستغرام»، والخطر الأكبر يأتي من خلال منصة «تيك توك».
وأشاروا إلى أن الخطر الأكبر يتمثل في احتمالات استهداف الأطفال بهذه المواد من قبل أشخاص بالغين، بهدف استدراجهم لابتزازهم جنسياً لاحقاً أو لإغوائهم في مرحلة عمرية لا يتمتع فيها الطفل بالتمييز الكافي بين الخطأ والصواب.
وأكد خبير بالأمن السيبراني أن هناك أهمية ملحّة في الوقت الراهن لتعزيز ما يمكن تسميته بـ«التربية الرقمية» التي تستلزم أن يكون هناك أب رقمي وأم رقمية، يتمتعان بالمعرفة الشاملة لجميع الوسائل الرقمية التي يستخدمها الطفل، خصوصاً الألعاب الإلكترونية لأنها بوابة رئيسة للاستدراج والابتزاز.
فيما أوضح مستشار قانوني أن التشريع الأخير لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تناول هذه المخاطر بنصوص صريحة تعكس إدراك المشرّع هذه التهديدات، ونصت على عقوبات رادعة بشأن كل من يتورط في تحريض أو إغواء الأطفال بمواد إباحية.
وتفصيلاً، قالت الاستشارية النفسية والتربوية، الدكتورة ناديا بوهناد، إن المحتويات الإباحية بمختلف أشكالها، سواء كانت صوراً أو فيديو أو روابط تمثل خطورة كبيرة على الأطفال والمراهقين، وتؤثر سلباً فيهم نفسياً وسلوكياً وأخلاقياً.
وأضافت أن الخطورة لا ترتبط بسنّ معينة، لكنها تبدأ منذ لحظة تعرض الطفل لهذا المحتوى الإباحي، سواء كان الطفل في الثالثة أو في سن المراهقة، لأن الأفلام أو الصور المخلّة، تثير لديه تساؤلات عدة، وتولّد لديه فضولاً للتعرف إلى المزيد، ويتحول البحث عن المزيد منها إلى رغبة في ممارستها. وأكدت أنها رصدت هذه المخاطر من واقع الحالات التي تعاملت معها لأطفال من أعمار مختلفة، مثل حالة فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً، تعاني انحرافاً سلوكياً، فتهرب من منزل أسرتها بشكل متكرر، وتصادق الشباب، وتبيح لنفسها كل شيء.
وبسؤالها عن أسباب جنوحها لهذه التصرفات، لتتبع نقطة التحول في شخصيتها، تبين أنها تلقت محتوى إباحياً من شخص أكبر سناً وهي في التاسعة من عمرها، من خلال تطبيق تواصل اجتماعي. وأوضحت بوهناد أن المحتوى الإباحي بالنسبة للطفل، أمر غريب وممتع في الوقت ذاته، إذ يتعرض لأمور أكبر من سنه، تنقله إلى مرحلة عقلية ونفسية وأخلاقية لا تناسب عمره، وتولّد لديه رغبة في ممارسة ما يراه في هذه الأفلام أو الصور، وبالتالي تجعله هدفاً سهلاً للمضطربين نفسياً. وحول سبل حماية الأطفال من هذه التهديدات، قالت الدكتورة بوهناد، يجب أن ندرك أن الحماية تستلزم كثيراً من الجهد، لأن المخاطر قائمة في ظل وجود تطبيقات تواصل اجتماعي ليس فيها أي نوع من الفرز أو الرقابة، إذ إن هناك من يستهدف الأطفال عبر منصات مثل «يوتيوب».
وحذرت بشكل خاص من منصة «تيك توك»، مؤكدة أن كثيراً من الحالات، خصوصاً الفتيات، يتعرضنَ لمحتوى غير لائق عبر هذه المنصة، التي تختلف كلياً في الدولة التي أطلقت منها عن نسختها في بقية العالم، إذ إن الصين لديها نسخة خاصة مناسبة للأطفال تتضمن محتوى تعليمياً، ومسابقات وتحديات مفيدة، بينما تمثل منصة إباحية في بقية الدول.
وأشارت إلى ضرورة فرض نظام واضح لاستخدام الأجهزة بالنسبة للأطفال، سواء الألعاب الإلكترونية أو غيرها، مشيرة إلى أن الدراسات الحديثة أثبتت أن عدد ساعات ممارسة الألعاب الإلكترونية يجب ألا يزيد على سبع ساعات أسبوعياً، بينما الأطفال في الإمارات يلعبون لفترات تصل إلى 15 ساعة يومياً.
وأكدت ضرورة أن يتحلى الآباء بالوعي اللازم لفرض نوع من المبادئ الأخلاقية في المنزل، عبر الحوار وتكوين صداقة مع الطفل، وبناء جدار من الثقة معه، حتى يفصح لأبويه عن أي مشكلة يتعرض لها.
ولفتت إلى أن الإشكالية تتمثل في عزوف غالبية الأطفال عن مصارحة آبائهم بما يتعرضون له، خوفاً من العقاب، لغياب أسلوب التوجيه السليم، ومصادقة الأطفال، والتعرف إلى البيئة الرقمية التي يعيشون فيها.
وتابعت أن هناك إجراءات يجب أن تتبناها الدولة، مثل حجب الألعاب والمنصات التي تمثل ثغرات لوصول المواد الإباحية للأطفال، لأن الصورة الذهنية تتشكل لديهم في سن مبكرة، وحمايتهم أمر واجب على الجميع. من جهتها، قال خبير الأمن السيبراني عبد النور سامي، لـ«الإمارات اليوم»، إن غالبية وسائل التواصل، يهمها زيادة مساحة المشاهدة على حساب تنقية المحتوى التي يعرض من خلالها، ويصل بسهولة إلى الأطفال. وأضاف أنه فيما عدا منصضى عن الرقابة، لإدراكها أن هناك قابلية لإدمان المحتوى الذي تتيحه، وله تأثير سلبي في الدماغ. وأشار إلى أن دولة الإمارات تعد من أفضل 10 بلدان تطبق إجراءات حماية كافية من المواد الإباحية، لكن لاتزال هناك مشكلة مرتبطة ببعض منصات الإنتاج الرقمي مثل «نتفليكس»، إذ يمكن أن يتعرض الطفل من خلالها لأفلام أو صور أو روابط مخلّة، وهذا أمر يستلزم وقفة دولية، لصعوبة مكافحته من قبل دولة واحدة.
وأوضح أن هناك ثغرات يتم استدراج الأطفال من خلالها في غياب الآباء أو عدم تمتعهم بالوعي اللازمة لحماية أبنائهم، مثل الألعاب الإلكترونية، فيستدرج البالغون الأطفال بالهدايا الرقمية أو تقديم المساعدات لهم في ألعاب بعينها، ويسيطرون عليهم تدريجياً. وأكد سامي أن هناك خطوات واضحة يجب أن يلتزم بها الآباء لحماية أطفالهم، أهمها فرض رقابة حقيقية تشمل تحديد أوقات وأماكن استخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، فلا تستخدم في دورات المياه أو الغرف المغلقة، أو في فترات متأخرة من الليل. وأشار إلى أن هذه الرقابة يجب أن تكون ذكية وبالتراضي، بتعزيز ما يمكن تسميته بـ«التربية الرقمية» التي تستلزم أبوين رقميين ملمين بجميع الوسائل الإلكترونية التي يستخدمها الأطفال، سواء الهواتف أو الألعاب الإلكترونية. وأوضح أن هناك أهمية لترسيخ الفكر النقدي لدى الطفل، فلا تقل له بلغة الأمر «لا تتحدث مع الغرباء»، لكن ناقشه بلغة هادئة حول تبعات الحديث مع أشخاص لا يعرفهم، وأن الغريب الافتراضي مثل الغريب في الواقع، يجب تجنبه.
وكشف أن أبرز الأخطاء التي يقوم بها كثير من الآباء، هو التوعية لمرة واحدة فقط، فيوجه النصيحة لابنه ثم يتوقف، وهذا خطأ كبير، بل تجب متابعة الطفل بشكل دوري، وسؤاله عن يومه والأحداث التي قابلته والأشخاص الذين يتحدث معهم، والاطلاع على تجاربه اليومية، سواء في العالم الواقعي أو الافتراضي. وأكد ضرورة تمتع الآباء كذلك ببعض الوعي بالألعاب الإلكترونية التي يمارسها أبناؤهم، ويقدمون إليهم الهدايا التي تفرضها هذه الألعاب بدلاً من الحصول عليها من الغرباء. ورصدت «الإمارات اليوم» إجراءات وقضايا عدة تمس الأطفال، شملت إجراء استباقياً اتخذته إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، للحد من الجرائم التي يمكن أن تستهدف الأطفال عبر الإنترنت، من خلال دوريات إلكترونية ترصد أي احتمالات للمخاطر قبل وقوعها.
وانضمت شرطة دبي رسمياً إلى فريق دولي أسسته المباحث الفيدرالية الأميركية (إف بي آي)، أخيراً، لمكافحة الجرائم الواقعة على الأطفال عبر الإنترنت، بمشاركة أجهزة شرطية من 13 دولة حول العالم، وتم تزويدها بأحدث برامج وتطبيقات الرصد والمتابعة، كما تم تأسيس قاعدة بيانات ومعلومات دولية مشتركة لتحقيق أقصى تعاون ممكن. وضبطت في وقت سابق متهماً بالغاً استدرج تسعة أطفال تراوح أعمارهم بين تسع و10 سنوات، عبر لعبة «فورت نايت» الشهيرة، وحاول ابتزازهم بعد الحصول على صور لهم، مستخدماً أسلوباً خبيثاً بإغرائهم بالمال لزيادة نقاطهم وأرصدتهم في اللعبة، لكن أوقعته شرطة دبي بفضل إبلاغ الطفل العاشر عنه.
• فتاة تعاني انحرافاً سلوكياً بسبب مقطع غير لائق أرسل إليها في سن التاسعة.
• مطالب بتعزيز التربية الرقمية، وتحذير الآباء من أخطاء متكررة في التوعية.
عقوبات صارمة لمستهدفي الأطفال بالمواد المخلّة
قال المحكم والمستشار القانوني محمد نجيب، إن المرسوم بقانون رقم 34 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، استخدم لأول مرة مفردة «الأطفال» في التعبير عن الجرائم التي يمكن أن تستهدفهم بدلاً من مفردة «الأحداث»، بما يعكس اهتماماً كبيراً بهذه الفئة العمرية التي تمثل عماد أي مجتمع.
وأوضح أن المادة رقم 35 من القانون توفر الحماية الكاملة من جريمة صارت أكثر شيوعاً في الآونة الأخيرة عالمياً، وهي استهداف الأطفال بالمواد الإباحية، فتنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تزيد على مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بتحريض أو بإغواء أو بمساعدة طفل على بث أو إعداد أو إرسال مواد إباحية باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومة.
وتكون العقوبة السجن المؤقت والغرامة التي لا تزيد على مليون درهم إذا كانت المواد الإباحية المعدة أو المرسلة موضوعها الطفل،
ولا يسأل جزائياً الطفل الضحية عما يرتكبه من أفعال نتيجة التحريض والإغواء.
وأشار نجيب إلى أن هذه المادة تمثل رادعاً كبيراً للمجرمين المضطربين نفسياً الذين يستهدفون الأطفال، ويغرونهم بمثل هذه المواد، حسبما يحدث في دول عدة، وتكون وسيلة لاستدراجهم، وربما ابتزازهم لاحقاً.
وتابع أن المادة رقم 36 من القانون ذاتها، وفرت حماية إضافية للطفل، ورادعاً استباقياً لمن يستهدفهم، إذ تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، والغرامة التي لا تقل عن 150 ألف درهم، ولا تزيد على مليون درهم، كل من حاز عمداً مواد إباحية للأطفال باستخدام نظام معلومات إلكتروني أو شبكة معلوماتية، أو موقع إلكتروني أو إحدى وسائل تقنية المعلومات. وأكد أن كثيراً من الدراسات النفسية والجنائية أثبتت أن حيازة مواد إباحية للأطفال، تمثل مؤشراً لإمكانية التعرض لهم، وبالتالي تتخذ الدول المتقدمة، ومنها الإمارات، إجراءات صارمة حيال المتورطين في هذه الممارسات.