إسطنبول/ تولغا ساكمان / الأناضول
– اليابان تسعى لتغيير استراتيجيتها العسكرية والتسلح بدعم أمريكي أوروبي في ظل مسؤوليتهما عن الحفاظ على النظام العالمي والديمقراطية
– تغيير الاستراتيجية الدفاعية لليابان قد يمثل مشكلة جديدة للنظام العالمي ومعضلة أمنية متصاعدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
– تعزيز الدفاع الياباني يجعل طوكيو قوة اقتصادية وسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأيضا قوة عسكرية رئيسية في المنطقة
تدريجيا تبتعد اليابان عن سياستها الدفاعية التي تبنتها بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، وهي استبعاد الحرب وتجنب استخدام القوة بتسوية النزاعات الدولية.
ومن المتوقع أن تضاعف الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي في اليابان الإنفاق الدفاعي على مدى السنوات الخمس المقبلة بجهود تشمل تطويرا عسكريا كبيرا.
وتجيب الأسئلة التالية عن ما يجب معرفته عن الاستراتيجية العسكرية اليابانية الجديدة.
** ما هي خلفية الاستراتيجية العسكرية الجديدة؟
تنص المادة التاسعة من دستور اليابان لعام 1947، الذي دخل حيز التنفيذ في 3 مايو/ أيار من العام ذاته (بعد الحرب العالمية الثانية) على أن الدولة تستبعد الحرب واستخدام القوة في تسوية النزاعات الدولية.
كما تنص على أن اليابان “لن تحتفظ بقوات برية أو بحرية أو جوية (في أماكن) من الممكن قيام حرب فيها”.
مع ذلك، وبمجرد أن أنهت الولايات المتحدة احتلالها لليابان، سرعان ما أصبح من الواضح أن البلد الآسيوي سيكون عرضة للهجمات من جيرانه مثل الصين وروسيا.
وبعد شهر من اندلاع الحرب الكورية في 1950، أنشأ الاحتلال الأمريكي قوات باسم “احتياطي الشرطة الوطنية” وهي قوة وطنية مسلحة بأسلحة خفيفة قوامها 75 ألف فرد.
وتأسس الجيش الياباني الحالي المُسمى “قوة الدفاع الذاتي” في 1954، وبعد ستة أعوام وقّعت طوكيو اتفاقية تنص على أن الولايات المتحدة ستحتفظ بقواعد عسكرية في اليابان تحمي البلاد من أي هجوم.
وبشكل كبير، كانت الاستراتيجية الدفاعية لليابان المسالمة تعتمد على الولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئيا إلى القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها.
وخفف رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو آبي القيود العسكرية المنصوص عليها في الدستور، كجزء من سياسة أمنية أطلق عليها اسم “النزعة السلمية الاستباقية” وقام بإصلاح “قوة الدفاع الذاتي”.
ولأول مرة منذ 70 عاما، أقر الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في 2015 قانونا يسمح لليابان بإرسال قوات إلى خارج البلاد والمشاركة في عمليات عسكرية مع الحلفاء.
وروج آبي لهذا التشريع العسكري الجديد قائلا إنه “سيعزز التزام الأمة بعدم شن حرب والمساهمة في السلام والازدهار في العالم”.
** ماذا تقدم الاستراتيجية العسكرية الجديدة؟
تتشكل الاستراتيجية العسكرية الجديدة لليابان من ثلاث وثائق صدرت في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وهي استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني وبرنامج التعزيز الدفاعي.
وبحسب تلك الوثائق، تضاعف اليابان الإنفاق الدفاعي من نحو 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2 بالمئة، ضمن خطة لمدة خمس سنوات تتسق مع أهداف الاستثمار الدفاعي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وميزانية الدفاع المحتملة، البالغة 315 مليار دولار، ستجعل اليابان صاحبة ثالث أكبر إنفاق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
وتشمل الخطة أيضا امتلاك أسلحة هجومية وإعادة تشكيل هيكل القيادة العسكرية، والاستثمار في قدرات الهجوم المضاد، بما في ذلك شراء صواريخ بعيدة المدى يمكنها إصابة السفن أو الصواريخ الأرضية على مسافة تتراوح بين 1500 و3000 كيلومتر.
وهذه القدرات ستمكن اليابان من ضرب أهداف عسكرية في آسيا، بما في ذلك الصين وكوريا الشمالية وروسيا.
ورغم حظر الدستور لاستخدام القوة وصفت اليابان استراتيجيتها الجديدة بأنها “هجوم وقائي” لإضفاء الشرعية عليها كوسيلة “لمهاجمة قوات العدو التي تحاول غزو اليابان”.
وتسلط الوثائق الثلاث الضوء أيضا على أهمية “القوة الوطنية الشاملة” التي تشير إلى الاستخدام المشترك للدبلوماسية والقوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجيا والاستخبارات.
كما تؤكد على تطوير الأمن السيبراني لحماية شبكات الحكومة اليابانية والبنية التحتية الحيوية.
** ما آثار الخطة الجديدة على المنطقة والأمن العالمي؟
وفقا للوثائق، تجد اليابان نفسها في خضم أعنف الأوقات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتصف استراتيجية الأمن القومي اليابانية الصين بأنها أكبر تحدٍ استراتيجي تواجهه طوكيو، وتعتبر كوريا الشمالية “تهديدا أكثر خطورة وقربا من أي وقت مضى” على أمن اليابان القومي.
ونظرا لقربها الجغرافي من الصين وكوريا الشمالية وروسيا، تواجه اليابان تكهنات استراتيجية عدائية للغاية، حيث يُنظر إلى هذه الدول على أنها تشكل تهديدات للقيم المشتركة وهيكل الأمن العالمي المتصور للولايات المتحدة والقوى الأوروبية الحليفة.
ويُنظر أيضا إلى محاولة طوكيو زيادة قوتها ضد هذه التهديدات على أنها ميزة للديمقراطيات الآسيوية.
والأهم من ذلك، أن هذه الاستراتيجية الجديدة قد تدفع جيران اليابان إلى إساءة فهم سياستها الخارجية، حيث أصبحت طوكيو قوة عسكرية تساهم في تسريع سباق التسلح.
كما قد يؤدي هذا الموقف إلى معضلة أمنية متصاعدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في المقام الأول وفي المنافسة الأمنية العالمية ثانيا.
وتأتي حملة اليابان لتسليح نفسها مدعومة أيضا من الولايات المتحدة وأوروبا، في ظل مسؤوليتهما عن الحفاظ على النظام العالمي الحالي والقيم الديمقراطية.
وفي حين أن هذا التغيير قد يمثل مشكلة جديدة للنظام العالمي، يمكننا أن نتوقع أن تعزيز الدفاع الياباني لن ينتهي في أي وقت قريب، ما يجعل طوكيو قوة اقتصادية وسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وقوة عسكرية رئيسية في المنطقة أيضا.
* الآراء الواردة في المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للأناضول.
** الكاتب رئيس مركز الشؤون الدبلوماسية والدراسات السياسية (DIPAM) في إسطنبول.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات