جمع “بيت الذاكرة” بمدينة الصويرة، متم الأسبوع الماضي، أساتذة جامعيين حول التعايش في تاريخ المغرب.
خالد أوعسو، أستاذ التاريخ الراهن بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وقف عند “، بداية، على قدم الوجود اليهودي واستمراريته واتساعه الذي شمل المغرب القاري، ما يؤكد على قدرة المجتمع تاريخيا على تأمين وضمان استمرارية تعدديته”، مع إشارته إلى أن “مختلف محطات الاستهداف والتباعد التي ارتبطت بالعنصر اليهودي لم تكن مقتصرة عليه بقدر ما شملت باقي مكونات المجتمع، لاعتبارات مذهبية أو عقدية أو قبلية… وكانت نتاج سياق ثقافي خاص ونسبي، وذات مصدر خارجي، الأمر الذي يفسر من جهة غنى الشخصية المغربية، ومن جهة أخرى تميز العلاقة التي ربطت وتربط اليهود المغاربة ببلدهم”.
ولتأكيد هذه الاستمرارية وقف المحاضر، وفق تقرير الندوة، عند “تجليات التعايش الذي حكم تاريخ المغرب من خلال الوقوف عند جملة من المحطات الدالة”، حيث تحدث عن “مجموعة من الوظائف والحقوق التي حازها اليهود المغاربة: فقد مارسوا مهام الحجابة والتمثيل القنصلي، وكذا التجارة والاستشارة، والطب… إلى جانب حق الملكية وممارسة المخالطات”.
ودعا المتدخل إلى “ضرورة تجاوز النظرة التقليدية التي تحصر تاريخ اليهود المغاربة في مفاهيم قبلية جاهزة بعيدة عن الواقع التاريخي من قبيل مفهوم الذمي، وربط اليهود بالملاحات، مؤكدا على الفرق الشاسع بين حمولة هذه المفاهيم والواقع التاريخي والاجتماعي الذي اتسم بقدرة المجتمع المغربي الغريبة على تأمين تعايشه ووحدته في ظل الاختلاف. لذلك، ليس غريبا حسب المحاضر أن يتم الدفع لاحقا في اتجاه حماية اليهود خلال مرحلة الحماية، وبعد ذلك احتضان الرافد اليهودي ضمن دستور المملكة سنة 2011”.
محمد أبيهي، أستاذ التاريخ المعاصر والراهن بجامعة محمد الخامس بالرباط، لامس “دلالة التعايش من خلال الوقوف على تجارب محلية للتعايش في تاريخ مدينة الصويرة ومحيطها القبلي، حيث وقف بداية على امتداد الحضور اليهودي الذي لم يكن مقتصرا على مدينة الصويرة وحدها، بل شمل كل المراكز الصغرى والفضاءات القبلية، التي تدخل ضمن نطاق المجال الغربي الأطلنتي للأطلس الكبير”.
وفي هذا الإطار، اعتبر المتدخل أن “هذا الحضور يعود إلى مراحل تاريخية قديمة جدا، وقد أمن لنفسه الاستمرارية؛ ما جعل المنطقة تعرف غنى ثقافيا، وهو ما أكده من خلال الوقوف عند مختلف تجليات هذا الحضور اليهودي بقبائل احاحان الأمازيغية، الذي لم يقتصر فقط على الجانب التجاري، بقدر ما شمل مختلف الأنشطة الاقتصادية إلى جانب مختلف الجوانب الدينية والثقافية”.
واستدل المتدخل على وجود شواهد مادية لآثار هذا الحضور، “ما يدل على تجذر العلاقات بين أمازيغ احاحان واليهود قبل تأسيس مرسى الصويرة من طرف السلطان سيدي محمد بن عبد الله (وجود مقابر يهودية-كنيس تمنار-مزارات وأضرحة بأيت بيوض…)”. كما اعتبر أن “هذا التعايش هو ترجمة لقدرة المجتمع المحلي على ضمان تعايش مختلف مكوناته، وما يؤكد ذلك هو اضطلاع يهود هوامش الصويرة بأدوار طلائعية في تجارة المرسى بسوس والصحراء المغربية وإفريقيا جنوب الصحراء”.
ورفع اللقاء، الذي نظمته جمعية تودرت، توصيات؛ من قبيل: “الحاجة إلى تعميق الدراسات بخصوص اليهود المغاربة، لا سيما مع الآفاق الجديدة الذي فتحها دستور 2011م، ووجود إرادة سياسية؛ ما يستدعي من الباحثين العودة إلى الذات بغرض البحث عن آليات التعايش التي حكمت تاريخ المغرب بعيدا عن القراءات الأيديولوجية الاختزالية”. كما ذكرت التوصيات “الحاجة إلى مراكز متخصصة ومتاحف تعنى بالتنوع الثقافي والديني الذي عرفه تاريخ المغرب، بغرض الربط بين الماضي والحاضر، وكذلك رقمنة الأرصدة الوثائقية الخاصة لغرض إنجاز دراسات تاريخية واجتماعية حول الموضوع”.
المصدر: وكالات