أصدر الباحث والإعلامي المغربي عبد الصمد الكباص عملا جديدا تحت عنوان: “الشاشة والورق”، يسلط فيه الضوء على ميديولوجيا الصورة والنص في الصحافة المغربية في زمن الانتقال الرقمي.
ويتناول الكتاب بالتحليل ميديولوجيا الصورة، مركزا على التغير في طبيعة الحامل من الورق إلى الناظم الشبكي للرؤية الميديولوجية، مشخصا مصير الخطاب الصحافي في ظل الطفرات التكنولوجية، ومنطلقا من فرضية جورج زيمل التي تذهب إلى أن “إنتاج العام” يحتاج إلى ثرثرة منظمة، مسندة مهمة تنظيم هذه الثرثرة إلى الصحافة من خلال أدائها النسقي في تصنيع الواقع عبر الصورة والنص. فبحسب الباحث الأحداث التي كان من نصيبها أن تكون عابرة وخاصة تتحول إلى وقائع قابلة للاستهلاك العمومي، وتحظى بتثبيت نسبي يمكنها من إثارة الانتباه العمومي.
ووفق الكباص يصبح إنتاج العام ذا ثقل اجتماعي يمارس ضغطا على المجتمع، فيغدو الفرد بسبب ذلك مكتسحا باقتناع راسخ أن هذه الوقائع مهما بلغت درجة تفاهتها لا تهمه لوحده وإنما تهم العموم، ومن ثمة يستسلم لأهميتها المزعومة، مؤكدا أن المهمة المنسوبة إلى الصحافة، من قبيل نقل الأخبار، لا تدل إلا على جزء سطحي من وظيفتها الجوهرية، لأنها لا تكتفي بصنع الأخبار، بل تخلق “الشيء الاجتماعي” وتستديم وجوده.
ويشير الكتاب، حسب التصدير، إلى أن الصحافة هي إنتاج العام، عبر آليات خاصة تتحمل فيها الصورة والنص بالدرجة الأولى القسط الأوفر من هذه العملية المعقدة، وهذا يعني أن الواقع يشرع في العمل باعتباره وظيفة، انطلاقا من ممارسات الصورة والنص التي توفرها الصحافة والإعلام، وتجعل “الكلام العمومي” ينطوي على ارتباط حميم بالنظرة المعممة التي تفرضها ممارسات الصورة، التي لا يكون الواقع المدرك على أنه كذلك إلا اشتقاقا منها.
وبحسب المنشور الجديد فالممارسات المتعلقة بالنص والصورة، التي يصبح من خلالها الواقع قابلا للاستهلاك، ويحظى بوضعه ككيان معرف، بواسطة التثبيت النسبي الذي تفرضه هذه الممارسات التي تنقل الوقائع من أحداث زائلة وغفل إلى وقائع مشتركة بعد انتزاعها من مجرى الزمن وتخزينها في اللغة والصورة، لا تتعلق بالقدرات الخاصة بكل من الصورة والنص في حد ذاتهما، ولكن تترتب بشكل وثيق عما يتيحه الحامل المادي (الورق، والجهاز الإلكتروني..) من إمكانات لإطلاق طاقات مفاجئة ومؤثرة لكل منهما. لذلك كان الانتقال من زمن ينتظم حول حامل مهيمن إلى زمن ينتظم حول حامل آخر انتقالا من حضارة إلى أخرى.
وجاء في الكتاب أن الحامل أو الوسيلة المادية لتخزين الأثر وتوزيعه لا يكتفي بدور الوسيط، وإنما يعين الوسط (بمعناه الإيكولوجي) الذي يحدد مسبقا إمكانيات قيام مبادلات رمزية échanges symboliques مثلما يحدد مفعولها. فكل حامل (أي الوسيلة المادية المعتمدة في تخزين الأثر وتوزيعه) يأتي محملا بقطائع حاسمة تمس طرق التفكير والتواصل وإمكانات الفعل.
كما أشار المؤلف إلى أن التجربة المباشرة تُظهر أن الانتقال من الورق إلى الفضاء الرقمي هو انتقال في المنطق الحضاري لتشغيل النص والصورة، لكنه يتجاوز ذلك، لأنه انتقال في طرز بناء الذاكرة وتسجيل الأثر، ويحدد إمكانات الحقيقة وما يفترض الخضوع له باعتباره حقيقة، وفي هذا الصدد يقول: “صارت إمكانات التكنولوجيا الرقمية وهي تستحوذ على وظيفة تخزين الأثر، أي إنتاج الذاكرة، تعين طرقا جديدة لتولد الذات التي أضحت تتعرف على نفسها من خلال تموقعها الرقمي في الفضاء الإلكتروني، مستنتجة حضورها الفعلي في العالم ومشاركتها فيه، من خلال الحصيلة الكمية من علامات الإعجاب التي تحصل عليها في حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي”.
وورد أيضا ضمن الكتاب: “صارت تبنى القناعات من خلال حجم المشاركة (partager) الذي توفره هذه التطبيقات على التجهيزات الذكية، بمعنى أن إمكانات الذات صارت محددة بما تتيحه تطبيقات التكنولوجيا الذكية التي توجد في متناول اليد، وغدا هذا المسلسل السريع لمضاعفة الذات في بديل رقمي تعميقا لذلك التصور الذي أضحت معه الذات تطبيقا معلوماتيا، حسب الصياغة التي قدمها لوشيانو فلوريدي، والذي يعزز طبيعتها المعلوماتية انطلاقا من مبدأ جون أرشيبالد ويلر John Archibald Wheeler “الشيء من البيت”، ما يعني أن كل الأشياء المادية هي نظريا معلومات في الأصل”.
المصدر: وكالات