فالدوافع السلبية لها صوت خارجي: وهو صوت المحيطين بالفرد.. حتى لو كان بحسن النوايا، وصوت آخر -أكثر خطورة- داخلي: (لن أستطيع..)، (لا أقدر..)، (أنا لست مؤهلاً..). وفي الحالات النادرة التي يستطيع الفرد أن يسيطر فيها على هذه الأصوات بكل صخبها، يصطدم بحائط التثبيط الأقوى: (ليس لدي وقت). هذا الحائط -رغم قوته- إلا أنه حائط وهمي يكشفه أصغر اختبار متخصص في (حساب أوقات الفراغ).. لكنه موجود وقائم وتُعلّق عليه كل أسباب التسويف ومحاولات التطوير غير الجادة، ليبقى الحال على ما هو عليه (مكانك سر).
علماء العادات حين ينصحون باكتساب عادة جديدة، حتى لو كانت صغيرة جدّاً، للمساهمة في صناعة مستقبل أكثر نمواً وتطوراً، يتجاوزون هذا الجدار الوهمي الصلب عن طريق جعل العادات التي يريد الشخص أن يبدأها (مختصرة) إلى أبعد حد؛ بحيث تصبح عبارة (ليس لدي وقت) ليست ذات معنى. على سبيل المثال: من يريد أن يبدأ رياضة المشي، يُنصح بأن يبدأ بداية زمنية متواضعة جدّاً (وقت رياضة المشي من بدايته إلى نهايته لا يتجاوز دقيقتين).. بالضبط (دقيقتين).. كأن يمشي خارج المنزل على الرصيف الموازي لمسافة 50م. فقط. وتكون هذه الجملة واضحة في ذهنه (سأمشي لمدة دقيقتين أمام المنزل قبل الذهاب للعمل صباحاً).
صحيح أن الوقت (دقيقتين) يحمل في طياته عدم الجدية، خصوصاً أنه لن يقدم أو يؤخر في الفائدة الرياضية، ولكن المقصود هو (إدراج السلوك في العادات اليومية المنتظمة).. ومع التكرار -نفس الوقت نفس المسافة- لأسابيع أو حتى أشهر، ستترسخ العادة في ذهنه مع حقيقة (أنا ممن يمارسون رياضة المشي بانتظام)؛ أي أن تصبح ذهنيته ذهنية ممارس لرياضة المشي اليومية. وبالتالي يصنف نفسه أنه من فئة الرياضيين المواظبين على رياضة المشي.. ويرى نفسه -فعلياً- ضمن هذه الفئة.
هذه الآلية ليست للرياضة في ذاتها أو حتى للفائدة المرجوة منها.. بل لترسيخ (عادة المشي) بحيث تصبح رياضة المشي (عادة) وليست عملاً إلزامياً. لاحقاً، سيزداد وقت ممارستها من تلقاء نفسه ليصل إلى (30) دقيقة أو ساعة.. وتصبح العادة مترسخة ولها طقوسها وآلياتها.
أيضاً ينصح علماء العادات أن يتم ربط العادة الجديدة التي يريد الشخص اكتسابها بعادة أخرى قديمة؛ مثل ربط عادة المشي بعادة شرب القهوة أو الشاي.. (.. قبل شرب شاي المساء سأخرج للمشي لمدة دقيقتين..).. أو (.. قبل مشاهدة مسلسل اليوم..) أو (.. بعد الصلاة..).. وهذا علمياً يسمى (تكدس العادات) أي ربط عادة جديدة بأخرى قديمة.
آلية اكتساب العادات الحسنة أصبح علماً مستقلاً بذاته.. وأصبح هو مفتاح تطوير الذات وتنمية القدرات والنجاحات الكبرى. على كل شخص النظر لما يريد أن يكون.. ويبدأ العادات الحسنة التي توصله إلى ما يريد.