الرباط – مع اقتراب موعد استضافة المغرب لبطولة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم، تشهد العاصمة الرباط استعدادات مكثفة تتجاوز الجانب الرياضي لتشمل انعكاسات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق. بدءًا من منتصف الليل، ستظل المقاهي والمطاعم في الرباط مفتوحة حتى الساعة الثانية صباحًا، وهو قرار يهدف إلى استيعاب التدفق المتزايد للزوار والمشجعين، وضخ السيولة في الدورة الاقتصادية اليومية، وذلك ابتداءً من 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ومن المتوقع أن يرتفع مستوى هذا النشاط بشكل ملحوظ مع انطلاق المنافسات الرسمية للبطولة يوم الأحد القادم، والتي ستستمر على مدار 29 يومًا في ست مدن مغربية مختلفة. تعتبر هذه البطولة فرصة استثنائية للمغرب لإبراز قدراته التنظيمية وجذب الاستثمارات، بالإضافة إلى تعزيز مكانته كوجهة سياحية رئيسية في القارة الأفريقية.
طفرة مالية متوقعة بفضل كأس أمم أفريقيا
تشير التقديرات الرسمية الصادرة عن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) إلى أن إجمالي الإيرادات المتوقعة للسنة المالية 2025-2026 قد تصل إلى حوالي 3.1 مليار درهم (312.8 مليون دولار أمريكي). يمثل هذا زيادة كبيرة تقدر بنحو 88% مقارنة بالدورة المالية السابقة 2023-2024، مما يؤكد الجاذبية التجارية المتزايدة للبطولة.
وينعكس هذا النمو الإيجابي على الاقتصاد المغربي من خلال ارتفاع عائدات حقوق البث والإعلانات، وتدفق الإنفاق من قبل الجماهير والبعثات الرسمية، بالإضافة إلى الزيادة في الإيرادات الضريبية المرتبطة بقطاعات النقل والإقامة والخدمات المختلفة. وتشمل هذه الإيرادات أيضًا عائدات من قطاع السياحة المتوقع أن يشهد ازدهارًا كبيرًا خلال فترة البطولة.
استثمارات ضخمة في البنية التحتية
اختار المغرب نهجًا استراتيجيًا في استعداداته لاستضافة البطولة، حيث ركز على الاستثمارات الهيكلية طويلة الأمد بدلًا من الإنفاق الحكومي المباشر والمؤقت. وكشف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، عن حزمة استثمارات شاملة تبلغ حوالي 150 مليار درهم (15 مليار دولار أمريكي)، مخصصة لتأهيل الملاعب والبنية التحتية الرياضية وغير الرياضية.
تعتمد هذه الخطة على آلية مبتكرة لاسترداد التكاليف على مدى 20 عامًا تقريبًا من خلال “صندوق الإيداع والتدبير”، مما يقلل الضغط على الميزانية العامة للدولة ويؤسس لمنطق الاستثمار المنتج والمستدام. ويشمل ذلك تطوير شبكات النقل، وتحسين المرافق الفندقية، وتوفير خدمات لوجستية متكاملة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص استثمارات كبيرة لتطوير قطاع النقل، حيث يهدف البرنامج الوطني للنقل الحضري إلى توفير أكثر من 3800 حافلة جديدة بحلول عام 2029. يهدف هذا التحسين إلى تسهيل تنقل المشجعين والزوار، وتوفير خدمات نقل عامة فعالة وموثوقة.
تأثيرات اقتصادية واجتماعية أوسع نطاقًا
لا تقتصر الفوائد الاقتصادية لكأس أمم أفريقيا على الإيرادات المباشرة، بل تمتد لتشمل آثارًا إيجابية خارجية في المدن المستضيفة. فالملاعب الجديدة والمحسنة تتحول إلى أقطاب نمو محلية، وتساهم في تعزيز جاذبية المدن واستقطاب الاستثمارات والشركات.
ويشير الخبراء إلى أن تنظيم البطولة يمثل فرصة لتطوير البنية التحتية الحضرية، وتحسين جودة الخدمات العامة، وتمكين الجماعات الترابية من موارد إضافية. كما أنه يخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويعزز من مهارات وخبرات الكفاءات المحلية.
وتشير التقديرات إلى أن المغرب قد يستقبل حوالي 1.5 مليون مشجع خلال فترة البطولة، بما في ذلك حوالي 100 ألف مشجع من أوروبا وأسواق غربية أخرى. ويقدر متوسط إنفاق الفرد الواحد بحوالي 10 آلاف درهم (ألف دولار أمريكي)، مما قد يولد عائدات إجمالية تصل إلى 12 مليار درهم (مليار دولار أمريكي).
اختبار الجاهزية لمونديال 2030
يعتبر المغرب استضافة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم بمثابة اختبار حاسم لقدراته التنظيمية قبل استضافة كأس العالم 2030. وتعد الجاهزية المبكرة لملعب الأمير مولاي عبد الله في الرباط وملعب طنجة الكبير مؤشرًا إيجابيًا على استعداد المغرب لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى.
ويرى المراقبون أن نجاح المغرب في تنظيم البطولة الحالية سيعزز من ثقة الشركاء الدوليين، ويزيد من فرص حصوله على دعمهم لاستضافة كأس العالم. كما أنه سيسهم في تعزيز صورة المغرب كوجهة سياحية واستثمارية متميزة.
ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من الاستعدادات والتجهيزات، بما في ذلك تطوير البنية التحتية للنقل والإقامة، وتوفير خدمات أمنية ولوجستية متكاملة. وستركز الجهود أيضًا على الترويج للبطولة وجذب أكبر عدد ممكن من المشجعين والزوار. وستكون متابعة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للبطولة على المدى القصير والمتوسط أمرًا بالغ الأهمية لتقييم نجاحها وتحديد الدروس المستفادة.
