حذرت دراسة شاملة حديثة من أن زيادة استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتصاعد معدلات الإصابة بأمراض مزمنة وخطيرة. وقد أظهرت مراجعة منهجية لـ 104 دراسة طويلة الأمد، نشرت نتائجها في دورية “لانسيت” الطبية، وجود صلة قوية بين هذه الأطعمة ومشاكل صحية عديدة. هذا التحذير يأتي في ظل انتشار هذه المنتجات على نطاق واسع عالميًا، مما يثير قلقًا بالغًا بشأن الصحة العامة.
تأثير الأطعمة فائقة المعالجة على الصحة
خلصت الأبحاث التي قام بها 43 عالمًا، بقيادة البرازيلي كارلوس مونتيرو، إلى أن غالبية الدراسات التي فحصوها – 92 من أصل 104 – تشير إلى وجود علاقة بين تناول الأطعمة فائقة المعالجة وزيادة خطر الإصابة بأمراض مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والسمنة، وحتى أنواع معينة من السرطان. كما أظهرت بعض الدراسات ارتباطًا بين هذه الأطعمة بمشاكل الصحة العقلية كالاكتئاب.
ما هي الأطعمة فائقة المعالجة؟
الأطعمة فائقة المعالجة، كما عرّفها الدكتور مونتيرو قبل حوالي 15 عامًا، هي تلك التي تخضع لعمليات تحويل صناعية متعددة، وتتضمن عادةً مكونات لم تعد موجودة في الأطعمة الأصلية. تشمل هذه المنتجات المشروبات الغازية، والوجبات الخفيفة المصنعة، والحلويات، والخبز والمعجنات التجارية، وحتى بعض أنواع الحساء الجاهز والشعيرية سريعة التحضير. غالبًا ما تكون هذه الأطعمة غنية بالسكريات، والدهون المشبعة، والأملاح، والمواد المضافة والمكونات الصناعية، بينما تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية الموجودة في الأطعمة الكاملة والطبيعية.
على الرغم من أن مفهوم “الأطعمة فائقة المعالجة” لا يزال محل نقاش بين بعض الخبراء، إلا أن الأدلة العلمية المتراكمة أصبحت قوية بما يكفي لتبرير تدخلات حكومية تهدف إلى الحد من انتشار هذه المنتجات وتشجيع استهلاك الأطعمة الصحية. يرى النقاد أن المصطلح قد يكون مبسطًا، وأنه يحمل في طياته أبعادًا سياسية، ومع ذلك، فإن التركيز على المكونات وعمليات التصنيع يظل عاملاً حاسماً في تقييم تأثير هذه الأطعمة على الصحة.
يرجع السبب الرئيسي وراء الانتشار الواسع لهذه الأطعمة، وفقًا للباحثين، إلى “القوة الاقتصادية والسياسية” لشركات الأغذية الكبرى. هذه الشركات تستثمر بشكل كبير في التسويق والإعلان، وتعيد تشكيل النظم الغذائية بهدف تحقيق أقصى ربح، حتى لو كان ذلك على حساب صحة المستهلكين. ويعتبر هذا التوجه تحديًا كبيرًا للجهود المبذولة لتعزيز التغذية الصحية والوقاية من الأمراض المزمنة.
وتشير الدراسات إلى أن التكاليف الصحية المرتبطة باستهلاك الأطعمة فائقة المعالجة تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. فبالإضافة إلى الأعباء التي تتحملها الأنظمة الصحية نتيجة علاج الأمراض المزمنة، هناك أيضًا تأثير سلبي على الإنتاجية الاقتصادية بسبب فقدان أيام العمل والإعاقات. زيادة الوعي بأضرار هذه الأطعمة وتوفير بدائل صحية بأسعار معقولة يعتبران من العوامل الأساسية لتحسين الصحة العامة وخفض التكاليف الصحية.
وتتزايد المطالبات بفرض ضرائب على الأطعمة غير الصحية، وتقييد الإعلانات عنها، وتوفير معلومات واضحة للمستهلكين حول المكونات الغذائية وعمليات التصنيع. كما تبرز أهمية تعزيز الزراعة المستدامة وتشجيع إنتاج الأطعمة المحلية والطبيعية، التي تعتبر أكثر فائدة للصحة وأقل ضررًا للبيئة. هذه الإجراءات قد تساعد في تغيير سلوكيات المستهلكين وخلق بيئة غذائية أكثر صحة.
من المتوقع أن يناقش خبراء التغذية والصحة العامة هذه النتائج خلال المنتديات والمؤتمرات القادمة، وتقديم توصيات إلى الحكومات والمنظمات الدولية لاتخاذ إجراءات ملموسة للحد من استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه التوصيات قد يواجه تحديات كبيرة بسبب معارضة شركات الأغذية وضغوطها. من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال، خاصةً فيما يتعلق بالسياسات الغذائية الجديدة والتعاون بين القطاعات المختلفة لتعزيز التغذية الصحية.
وتشير التوقعات إلى أن الدراسات المستقبلية ستركز على تحديد الآليات البيولوجية التي تربط بين الأطعمة فائقة المعالجة والأمراض المزمنة، وتطوير استراتيجيات أكثر فعالية للوقاية من هذه الأمراض. يتوقع الباحثون أن تظهر المزيد من الأدلة التي تؤكد الأضرار الصحية لهذه الأطعمة، مما سيزيد الضغوط على الحكومات لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من انتشارها. بالإضافة إلى ذلك، قد نشهد تطورًا في البدائل الصحية، وظهور منتجات جديدة تعتمد على مكونات طبيعية وعمليات تصنيع أقل ضررًا. التغذية الصحية، الأمن الغذائي، و الصحة العامة تبقى في صميم هذه القضية.
