السبت 6 دجنبر 2025 – 06:20
التقى الجمهور بمدينة الدار البيضاء، وللمرة الأولى منذ سنوات، بالشاعر والمترجم إدريس الملياني، الحائز مناصفة على جائزة المغرب للكتاب للعام 2024، صنف الشعر، عن مجموعته «غمة الكمامة». وقد هدف هذا اللقاء المفتوح، الذي نظمته جامعة المبدعين المغاربة، إلى محاورة التجربة الأدبية والإنسانية لشاعر عشق وترجم العديد من الأعمال من الأدب الروسي، واستقر بالاتحاد السوفياتي قبل تفككه لسنوات، قبل أن يكرس نفسه للشعر والترجمة بصمت وزهد كبيرين.
وعرف هذا اللقاء تقديم ورقتين نقديتين هامتين. الأولى كانت من توقيع الشاعر محمد علوط، صاحب كتاب “شعرية القصيدة المغربية الحديثة”، والتي أكدت على أهمية التجربة الشعرية لإدريس الملياني كواحد من مؤسسي القصيدة المغربية الحداثية، رغم إسقاط اسمه، دون سبب واضح، من بعض أشهر الأنطولوجيات التي أرخت لتلك المرحلة الشعرية. حيث تشابهت اللغة الشعرية للملياني، في تلك المرحلة، مع مثيلتها في نصوص صديقه الشاعر الراحل أحمد الجوماري، الذي جايله حينها. كما رصد الناقد علوط، عبر استعراض أعمال الشاعر الملياني على مدى أربعة عقود، سمات التطور داخل بنية لغته الشعرية.
من جهة ثانية، انصبت مداخلة الكاتب والشاعر محمد عرش على مقاربة البنية الشعرية في ديوان “غمة الكمامة”، مركزًا على الحداثة الشعرية لدى الملياني، التي تتجلى في “المواكبة والمسايرة دون ادعاء، ودون تحقير الآخر. فهو لا يستسيغ أي قول إبداعي إلا بعد الجدل والمناقشة، حتى يتم الاقتناع بصورة مجدية وفعالة. لذلك نراه في هذا العمل، الذي يساير محنة الداء/ كورونا، فعوض الانزواء والانطواء والخوف، شرع في “شَتر” هذا العمل، والذي تطلب الاطلاع على التوراة والإنجيل والقرآن الكريم والتراث حتى يكون شاملاً… وهذا الشَّتر أو الجرح تطلب تقوية المرجعيات عبر الحواشي، حسب إرادة وتمثُّل شوبنهاور صاحب نظرية التشاؤم الميتافيزيقي… اقتناعًا من الشاعر بأن الخواء أو الفراغ في هذه الحياة، وكيف يتم إملاؤه…”
من جهته، ركز الشاعر إدريس الملياني في كلمته على مفهوم “الشَّترية” الذي كتب عنه عدة مقالات وبيانات شعرية ونقدية، وتحدث فيه عن إشكالات شعرية كثيرة، منها النزاع المفتعل حول قصيدة النثر، الذي اقترح له حلاً بما يسميه “بالمواطنية الشترية” الجامعة بين الشعر والنثر، وذلك بنبذ الطائفية الشعرية والنقدية السائدة، والتي تفسد القضية. ويرى الحل في أن تتخلص قصيدة النثر من نثريتها وانتسابها للنثر، وأن لا تنتسب سوى إلى الشعر فقط، وأن لا تبقى مضافة للنثر، بل لقصيدة الشعر الإيقاعي، كاسم مقابل الشعر التفعيلي. من جهة أخرى، أشار الشاعر إلى بعض آراء الناقدة الفرنسية سوزان برنار في كتابها الشهير حول قصيدة النثر، وحديثها عن الإيقاع الذي قالت إنه “إن كان واضحًا في الموسيقى، فهو كثير الغموض حين يتعلق الأمر بقصيدة النثر، خاصة لأنها جامعة بين الأضداد، فلا هي شعر ولا هي نثر، بل بقيت متأرجحة بينهما”. وقالت إنها ليست تجديدًا في الشكل بل في المضمون بصفة خاصة، وإنها حرفيًا “نضال الإنسان من أجل مصيره…”.
وقدَّم كل من الروائي والشاعر محمد صوف، والكاتب والروائي توفيقي بلعيد، والشاعر حسن عبيدو، شهادات في حق الكاتب، انصبت على المسارات الإنسانية والنضالية المشتركة.
جدير بالذكر أن الشاعر إدريس الملياني، الذي نال جائزة المغرب للكتاب (صنف الشعر) لمرتين، آخرها السنة الماضية 2024، راكم تجربة شعرية ثرية ومتنوعة على امتداد أكثر من أربعة عقود. نذكر من إنتاجه الشعري: “أشعار للناس الطيبين”، “في ضيافة الحريق”، “زهرة الثلج”، “أعراس الميادين”، “نشيد السمندل”، “بملء الصوت”… ثم في الرواية: “كازانفا”، “ماتريوشكات (عرائس روسية)”، “محكيات فتاة الثلج”، “الدار الحمراء”. كما عُرِف بترجماته لعمالقة الأدب الروسي، مثل: “مذكرات من البيت الميت”، “حلم رجل مضحك”، “الليالي البيضاء” لفيودور دوستويفسكي، “التراجيديات الصغرى” لبوشكين، “العمق الرمادي: سيرة يفتشنكو”، ثم “رسم السيرة” لبوريس باسترناك.
نشر إنتاجه الإبداعي في الدوريات العربية، وترجم لكبار الشعراء عن الفرنسية والروسية، وشارك في العديد من المهرجانات والمؤتمرات السياسية والثقافية داخل الوطن وخارجه. وقد تُرجمت بعض أشعاره إلى الفرنسية والإسبانية والروسية.
المصدر: وكالات
