أشعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب جدلاً جديداً عبر منشورٍ نشره على حسابه في منصة «تروث سوشيال»، اتهم فيه عدداً من النواب الديمقراطيين بـ«الخيانة» ودعا إلى اعتقالهم، على خلفية تسجيل فيديو دعا فيه هؤلاء النواب أفراد الجيش الأميركي إلى رفض أوامر وصفوها بـ«غير القانونية».
وأشار ترامب إلى أن هؤلاء النواب «أمروا الجيش بعدم طاعة أوامري بصفتي رئيساً»، واصفاً ذلك بأنه «تمرد على أعلى مستوى» يُعدّ «جريمة كبرى».
جاء ذلك بعد أن نشرت مجموعةٌ من النواب الديمقراطيين – جميعهم من قدامى المحاربين – منها كريس ديلوزيو وجيسون كرو وميكي شيريل، فيديو دعوا فيه إلى التزام أفراد الجيش بالدستور ورفض أي أوامر قد تُعد «غير قانونية».
وفي ردٍّ منهم، أكد النواب أن رسالتهم ليست سياسية بل تأكيد على المبادئ الدستورية التي تُلزم الجيش بعدم تنفيذ أوامر تخالف القانون أو تُستخدم ضد المدنيين بلا مبرّر.
من الناحية القانونية، يُعرّف الأميركيون «التمرد» بأنه محاولة للإطاحة بالحكومة أو التحريض على العصيان ضدها، لكن خبراء القانون أوضحوا أن ما فعله النواب لا يرتقي إلى هذا التعريف، ويُعدّ ضمن حرية التعبير المكفولة بموجب التعديل الأول للدستور. ولم تُرفع بعد أي تهم رسمية بهذا الشأن.
تحليل
هذا التصعيد من جانب ترامب يعكس أكثر من بُعد سياسي وأمني:
أولاً، يبيّن حجم التوتر بين المؤسسة السياسية والقيادة العسكرية داخل الولايات المتحدة، خصوصاً في ظروف عودة ترامب إلى السلطة بعد انتخابات عام 2024.
ثانياً، يُشير إلى أن الرئيس يحاول فرض معايير قوة أكثر صرامة تجاه خصومه السياسيين، مستعيناً بصياغات مثل «الخيانة» و«التمرد» التي تحمل معها دلالات جنائية وأمنية بالغة.
ثالثاً، يحمل الخطاب هذا رسالة تحذير إلى العسكريين بأن الموالاة للرئيس تُعد مطلباً، والرفض أو البقاء على الحياد قد يُعدّ استفزازاً سياسياً.
من جهة أخرى، يُذكّر خطاب النواب بأن هناك حدوداً دستورية للحكم والسيادة المدنية، وأن أي استخدام للقوة أو التوظيف العسكري داخلياً لا يمكن أن يكون فوق القانون.
أخيراً، فإن عدم وجود لائحة اتهامات رسمية حتى الآن يضع الموضوع في خانة التصعيد الإعلامي أكثر منه القضائي، ما قد يمهّد لمواجهة قانونية أو سياسية لاحقة.
خاتمة
إن المشهد الراهن يعكس صراعاً ليس فقط بين أحزاب سياسية، بل بين من يرون في السلطة التنفيذية وطأة متزايدة، وبين من يرون بأن الضمانات الدستورية والمؤسسات القائمة فوق الأفراد. ومع استمرار هذه الخلافات، يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه التوترات قبل أن تتحوّل من جدالات إعلامية إلى أزمات مؤسسية أو قانونية؟
