أوصى المؤتمر الدولي الأول حول “التكنولوجيا والرقمنة: صون الهوية الثقافية الوطنية”، الذي اختتم أشغاله أول أمس السبت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة قلعة السراغنة، بوضع ميثاق وطني للهوية الرقمية يحدد المبادئ الناظمة لحضور المغرب الثقافي في الفضاء الرقمي، ويضمن حماية اللغات الوطنية، والذاكرة المشتركة، ورموز الهوية الجماعية.
وخلصت مداخلات هذا الملتقى العلمي إلى ضرورة إطلاق برنامج وطني للأمن الثقافي الرقمي لرصد التهديدات الموجهة للهوية، ومقاومة نزعات التذويب الثقافي، وتعزيز السردية المغربية في الفضاء الافتراضي، وتعزيز الإنتاج الثقافي الرقمي المحلي من خلال دعم المنصات، وصنّاع المحتوى، والمشاريع السردية الرقمية التي تعكس التنوع الثقافي المغربي.
ودعا الأكاديميون والباحثون والخبراء المشاركون في هذا المؤتمر إلى إعادة تصور وظيفة المدرسة في عصر الذكاء الاصطناعي عبر إدماج التربية على التفكير النقدي، والذكاء العاطفي، والتربية الرقمية، بدل الاقتصار على المعارف التلقينية. كما دعوا إلى إحداث وحدات جامعية ودراسات عليا متخصصة في فلسفة التكنولوجيا، القانون الرقمي، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، لإنتاج معرفة نقدية قادرة على مواكبة التحول الرقمي، وكذا تطوير مناهج مجددة لدمج المهارات الرقمية والابتكار ضمن المسارات الدراسية بشكل يراعي الخصوصية الثقافية.
ومن التوصيات أيضا، تحيين الإطار القانوني الوطني ليشمل حماية الذكاء الاصطناعي الموجه للحياة اليومية، وحقوق المستخدمين، ومسؤوليات الشركات الرقمية الدولية والمحلية. وتعزيز حماية المعطيات الشخصية وضمان الحق في الخصوصية والحق في النسيان الرقمي، بما يتناسب مع تحديات اقتصاد البيانات الضخم. وإقرار مدونة للأخلاقيات الرقمية تُوازن بين حرية التعبير، ومحاربة خطاب الكراهية والتضليل والتحرش الرقمي.

وانتهت المناقشات إلى أهمية تشجيع البحث في أثر التكنولوجيا على الهوية والإنسان من منظور فلسفي وأنثروبولوجي وسوسيولوجي لتكوين وعي نقدي جماعي تجاه التحولات الرقمية الكبرى. وإنشاء مرصد وطني لتأثير الرقمنة على القيم الاجتماعية يراقب تحولات الذوق، وأنماط الاستهلاك الثقافي، وأشكال التعبير الجديدة. وإدماج البعد الديني والمقاصدي في فهم التكنولوجيا بما يضمن التوازن بين الحداثة الرقمية والثوابت الروحية للمجتمع.
رقمنة التراث الوطني بمختلف مكوناته (العربي، والأمازيغي، والحساني، واليهودي المغربي…)، وتوفير مكتبات رقمية مفتوحة للباحثين والعموم، وتعزيز استعمال اللغة العربية والأمازيغية في الوسائط الرقمية ودعم تطوير الذكاء الاصطناعي باللهجات واللغات الوطنية، وتشجيع مبادرات السرد الرقمي التي توثق الذاكرة الجماعية وتعيد كتابة القصص الوطنية بلغة العصر، خلاصات أخرى لهذا اللقاء الأكاديمي.
وأكد المشاركون في هذا المؤتمر ضرورة إصلاح شامل للمنظومة الإعلامية الوطنية بإدماج الذكاء الاصطناعي كأداة للتدقيق والتحليل، ومنع احتكار المنصات الأجنبية لفضاء التداول العمومي، والتربية على المواطنة الرقمية لمحاربة السلوكيات غير الأخلاقية (التنمر، والتشهير، والتشويه) ولترسيخ قيم المسؤولية في التواصل الرقمي، وتعزيز حضور الخطاب العلمي حول الرقمنة في الإعلام لمحاربة الخرافة الرقمية ونظريات المؤامرة.

وانتهت أشغال الملتقى العلمي، التي امتدت لثلاثة أيام إلى تأكيد أهمية السيادة الرقمية للمغرب عبر تطوير أدوات وطنية للذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والمعالجة اللغوية، والتخزين الآمن للبيانات، واعتماد استراتيجية وطنية للأمن السيبراني ترتكز على التوقع والوقاية وحماية البنية التحتية الرقمية للبلاد، ودعم الابتكار المحلي بتشجيع المقاولات الرقمية الناشئة، والحاضنات الجامعية، وتبسيط مساطر التمويل.
ودعت المداخلات متعددة الحقول البحثية والمناقشة التي عرفها المؤتمر إلى تقليص الفجوة الرقمية بين الجهات عبر تعميم البنيات التحتية الرقمية، وضمان الولوج المنصف للتكنولوجيا في القرى والمجالات الهشة، وتمكين النساء والشباب من الفرص الرقمية الجديدة عبر برامج للتكوين والبحث والابتكار، وتطوير خدمات الدولة الرقمية لضمان الشفافية، وتقوية الثقة في المؤسسات، وتحسين علاقة المواطن بالإدارة.
المصدر: وكالات
