في زمن تتسارع المتغيرات وتختلط فيه المفاهيم، تبقى الشريعة الإسلامية نبعا ثابتا ومصدرا خالدا للتشريع والعدالة، فهي ليست مجرد أحكام دينية تطبق في نطاق ضيق، بل منظومة متكاملة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى تحقيق الخير للإنسان، وضمان العدل بين الناس، وصون الكرامة الإنسانية.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، هذه الآية تبرز بوضوح أن العدالة لا تكتمل إلا بالاحتكام إلى شرع الله، فهو المعيار الذي يقاس به الصواب والخطأ، والميزان الذي توزن به الحقوق والواجبات.
وقد جسد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم في حياته العملية، عندما قال «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، حديث نبوي عظيم يرسخ مبدأ المساواة أمام القانون، دون تمييز أو استثناء، لأن العدل في الإسلام قيمة مطلقة لا تخضع للمصالح أو الانتماءات.
الشريعة الإسلامية لم تأت لتقيد الناس، بل لتحررهم من الظلم والهوى، فهي توازن بين الحقوق والواجبات، وتعطي لكل ذي حق حقه، دون إفراط أو تفريط. ومن يتأمل في مبادئها يجد فيها أرقى صور الإنسانية: فهي تحمي النفس والمال والعرض والعقل والدين، وهي المقاصد الخمسة التي تعد جوهر التشريع الإسلامي.
في تطبيق القانون، لا تقتصر أهمية الشريعة على نصوص العقوبات أو الحدود، بل تمتد إلى روح العدالة ذاتها، فالقاضي المسلم لا يصدر حكمه إلا بعد أن يستحضر تقوى الله في قلبه، ويضع نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم، «القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة…» إشارة إلى خطورة المسؤولية وأن العدالة في الإسلام عبادة قبل أن تكون وظيفة.
إن من واجب كل دولة ومؤسسة قانونية اليوم أن تستلهم من الشريعة الإسلامية مقاصدها الكبرى في حماية المجتمع ونشر الطمأنينة بين الناس. فالقانون بلا قيم يصبح أداة قمع، أما القانون المستنير بنور الشريعة، فيصبح طريقا إلى الإصلاح والبناء.
ولعل الوعي المجتمعي بدور الشريعة في التشريع هو الضمان الحقيقي لاستمرار العدالة، فكل مواطن مسؤول عن دعم قيم الحق والإنصاف في مجتمعه، بدءا من بيته وحتى ساحة القضاء، إن العودة إلى الشريعة ليست عودة إلى الماضي، بل هي تقدم نحو المستقبل بثوابت تحفظ كرامة الإنسان وتحقق المساواة وتبني أوطانا تقوم على ميزان الله، لا على أهواء البشر، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي…).
تلك هي الرسالة التي يجب أن تبقى حاضرة في كل قانون يسن، وفي كل قاض يحكم، وفي كل قلم يكتب للحق.
بقلم: الطالبة بدرية الرشيدي
