بعد مرور ما يُقارب عقديْن على إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في نسخته الثانية من لدن الملك محمد السادس الذي دعا في خطاب له سنة 2006 من مدينة العيون إلى جعل هذا المجلس “مؤسسة فاعلة في تنمية الأقاليم الجنوبية وآلية ناجعة في تعبئة المواطنين وتأطيرهم، وكذا قوة اقتراحية، منبعثة من عبقرية أبناء الصحراء الأشاوس”، يتجدد النقاش حول موقع هذا الجهاز الاستشاري ودوره في مواكبة التحولات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، خاصة في سياق ورش تحيين وتفصيل خطة الحكم الذاتي التي رسخها القرار الأخير رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن حول الصحراء المغربية.
وحسب الظهير رقم 1.06.81 الصادر بتاريخ 25 مارس 2006 المتعلق بـ”الكوركاس” (الاسم المختصر للمجلس)، يمارس الأخير مجموعة من الصلاحيات؛ أهمها رفع اقتراحات إلى الملك بخصوص المبادرات والمشاريع والتدابير المتعلقة بعدد من المجالات، من قبيل عودة واندماج جميع المغاربة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية في حظيرة الوطن، وتلك المتعلقة أيضا بالدفاع عن الوحدة الترابية والوحدة الوطنية وتقوية التضامن الوطني سواء بالأقاليم الجنوبية أو باقي جهات المملكة.
أدوار تاريخية
قال محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن “المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في نسخته الأولى كان قد تم تجميد دوره جزئيا بعد سنة 1991 عقب إطلاق مخطط التسوية الأممية في الصحراء وانطلاق مسلسل تحديد الهوية، لصالح مؤسسة الشيوخ والقبائل التي كانت أدوارها أكثر تناسبا مع متطلبات تلك المرحلة”.
وأضاف ماء العينين، في تصريح لهسبريس، أن “مع توقف مسلسل تحديد الهوية، توقف هو الآخر. ومع خطاب الملك محمد السادس لسنة 2005 الذي أعلن من خلاله استعداد المغرب لإرساء حكم ذاتي في الأقاليم الجنوبية والخطاب الذي تلاه في العيون في السنة التي بعدها وأعلن فيه تجديد تركيبة ‘الكوركاس’ بهدف إضفاء حركية على عمله، استعادت هذه المؤسسة الاستشارية زخمها وقدمت مساهمات كبيرة في إثراء النقاش والمفاوضات حول قضية الصحراء والحكم الذاتي؛ بما في ذلك المشاركة في مفاوضات ‘مانهاست’ الأولى والثانية”.
وزاد نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات: “لكن ابتداء من سنة 2011، التي خطا خلالها المغرب خطوات في اتجاه تكريس خيار الجهوية الموسعة في الوثيقة الدستورية الجديدة، والديمقراطية التشاركية والتمثيلية الانتخابية، تراجع مجددا دور المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية لصالح المنتخبين في الأقاليم الجنوبية، انسجاما مرة أخرى مع التطورات السياسية والدستورية والدبلوماسية التي شهدها المغرب في هذه المرحلة من تاريخه، وأصبح أعضاؤه الذين يمثلون الهيئات المنتخبة يقومون بأدوارهم بهذه الصفة الأخيرة من داخل الأحزاب السياسية الوطنية”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “هذا المجلس يحتاج، اليوم، إلى إعادة النظر في تركيبته أو حتى مهامه بعد حوالي عقدين من آخر تحيين لهذه التركيبة؛ لكن هذا لا يلغي الأدوار المهمة التي لعبها في مراحل سابقة في ملف الصحراء المغربية، خاصة أن أغلبية أعضائه إما وافتهم المنية أو لم يعودوا يشغلون المناصب التي عُينوا بموجبها في هذه الهيئة أو هم في وضعية صحية لا تسمح لهم بمواكبة تطلعات هذه المرحلة الحالية بالشكل المطلوب”.
وشدد ماء العينين على أن “المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية لا يجب النظر إليه فقط في سياق هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ ملف الوحدة الترابية للمملكة، مع أهمية إعادة النظر في أدواره وتكييفها مع المستجدات الحالية، وزيادة تمثيلية النخب الجديدة التي ظهرت في الصحراء داخله؛ بل وإعادة النظر في مبادئ التمثيلية في الصحراء وفق الهوامش الكبيرة غير المستغلة التي يوفرها دستور 2011، وتماشيا أيضا مع خصوصية الأقاليم الجنوبية”.
طرف مفاوض
قال أحمد نور الدين، الباحث في الشؤون الدولية والخبير في قضية الصحراء المغربية، إن “إثارة أدوار المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية ليست مسألة ذات راهنية، وليس من مصلحتنا أن نضرب بنيران صديقة الأشخاص الوحدويين؛ لأنها ستكون بمثابة هدية مجانية لأعداء المغرب، لكن يمكن مقاربة هذا الدور من خلال من يحق له الجلوس على طاولة المفاوضات التي دعا إليها مجلس الأمن الدولي”.
وأوضح نور الدين، في تصريح لهسبريس، أن “ما هو ضروري الآن هو الحديث عن كيفية فرض إدماج هذا المجلس وفرضه ضمن قائمة مفاوضين آخرين على طاولة المفاوضات؛ لأن قرار مجلس الأمن الأخير يتحدث عن حل تحت السيادة المغربية وعن مفاوضات بين الأطراف وليس الطرفين، بصيغة القرار الأصلي باللغة الإنجليزية وليس بالصيغة الواردة في ترجمته إلى العربية التي أُخضعت لمزاج البيترودولار الجزائري”.
وتابع الخبير في قضية الصحراء المغربية: “القرار لم يحدد هذه الأطراف؛ وبالتالي يجب علينا أن نترافع ونعمل على إدخال أطراف أخرى، بل جميع الأطراف، في هذا المسار التفاوضي، لأنه بأية صفة ستعطي الجبهة الانفصالية الحق لنفسها للتحدث حصريا باسم ساكنة الصحراء؟”، قبل أن يجيب مقتبسا المثل الشعبي القائل: “النهار الأول يموت المش”، للتأكيد على أهمية الانفتاح بل وفرض مفاوضين آخرين خارج الوفد المغربي.
وسجل نور الدين أن “هناك العديد من الجهات وعلى مستويات عديدة يحق لها أن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات، خارج إطار جبهة “البوليساريو” والجزائر أو حتى موريتانيا؛ أولها فئة المنتخبين، بما في ذلك البرلمانيون عن الأقاليم الجنوبية، ورؤساء الجهات الثلاث، ورؤساء الجماعات، إلى جانب المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي يمكن أن يدخل كطرف في المفاوضات”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “هناك أطرافا أخرى أيضا؛ منها الحركات المنشقة عن تنظيم “البوليساريو”، كتيار ‘خط الشهيد’ و’حركة صحراويين من أجل السلام’، التي تضم مؤسسين ومسؤولين سابقين تقلدوا مناصب عديدة في الجمهورية الوهمية، إلى جانب العائدين إلى المغرب الذين يجب أن يكونوا ممثلين أيضا، وقد سبق أن شغلوا هم الآخرون مناصب قيادية داخل “البوليساريو””.
المصدر: وكالات
