رغبة في مواصلة وتعزيز جهود تعبئة الموارد الضرورية لدعم التماسك الاجتماعي وتمويل ورش الحماية الاجتماعية، تقترح الحكومة، في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2026، تمديد المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول. غير أن هذه الخطوة، التي تعكس توجها نحو العدالة التضامنية، تتناقض في جانبها الآخر مع استمرار منح القطاع الرياضي امتيازات وإعفاءات عديدة، يظل جزء كبير منها غير مبرر.
وتضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2026 مقتضيات تتعلق بالقطاع الرياضي، يُعدّ العديد منها إعادة تنصيص وتمديدا لأحكام كانت سارية المفعول سابقا لكن بآجال جديدة.
امتيازات ضريبية
يرى عثمان مودن، رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، أن النظام الضريبي على القطاع الرياضي يجد أساسه في ارتباطه بالقانون رقم 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، مشيرا إلى أن ملامحه الأولى برزت مع قانون المالية لسنة 2012، الذي تضمّن مقتضيات تقضي بإخضاع الشركات الرياضية المُحدثة طبقا لأحكام القانون المذكور للضريبة على الشركات بسعر تفضيلي يبلغ 17,5 في المائة، وذلك طيلة السنوات الخمس المحاسبية الأولى الموالية لتاريخ الشروع في استغلالها.
وأضاف مودن، في تصريح لهسبريس، أن الأجور المدفوعة للرياضيين المحترفين خضعت للضريبة على الدخل بعد تطبيق خصم جزافي نسبته 40 في المائة من مجموع هذه الأجور، قبل أن يرفع قانون المالية لسنة 2020 هذه النسبة إلى في 50 المائة. كما وضع قانون المالية لسنة 2021 شرطا للاستفادة من هذا الخصم، يتمثل في أن يكون المدربون والمربون وأعضاء الطاقم التقني مرتبطين بعقد رياضي احترافي وفقًا لمقتضيات القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، وأن يكونوا حاصلين على رخصة مسلّمة من طرف الجامعات الرياضية المعنية.
وأوضح المتحدث أن قانون المالية المذكور تضمَّن مقتضيات انتقالية تتعلق بتطبيق الضريبة على دخل الرياضيين، وفق جدول زمني يمتد من سنة 2021 إلى سنة 2024، يقوم على تطبيق خصم جزافي متناقص سنويًا على النحو الآتي: 90 في المائة سنة 2021، و80 في المائة سنة 2022، و70 في المائة سنة 2023، و60 في المائة سنة 2024. وهو ما كان يفترض أن يُفضي، ابتداءً من سنة 2025، إلى العودة إلى النظام العادي القاضي بتطبيق خصم جزافي بنسبة 50 في المائة، مع إخضاع النصف المتبقي للضريبة وفق السعر المنصوص عليه في المادة 73 من المدونة العامة للضرائب.
واستدرك بأن قانون المالية لسنة 2022 جاء ليُمدِّد العمل بالمقتضيات التفضيلية؛ إذ نصّ على استمرار الخصم الجزافي بنسبة 90 في المائة خلال سنتي 2022 و2023، و80% لسنة 2024، و70% لسنة 2025، و60% لسنة 2026، على أن يتم بلوغ نسبة الخصم العادية (50%) مع مطلع سنة 2027.
وذكر المودن أن الحكومة ارتأت مجددا في مشروع قانون المالية لسنة 2026 إعادة جدولة مقتضيات انتقالية أخرى تروم تطبيق الخصوم الجزافية نفسها: 60% – 70% – 80% – 90% عبر السنوات الممتدة من 2026 إلى 2029، وهو ما يعني أن النسبة العادية (50% من الخصم) لن يتم الرجوع إليها إلا في سنة 2030.
وأشار الباحث ذاته إلى أن الشركات الرياضية استفادت بموجب قانون مالية 2020 من الإعفاء من مجموع الضريبة على الشركات طوال مدة خمس سنوات محاسبية متتالية تبتدئ من السنة المحاسبية الأولى للاستغلال، وبعد هذه المدة فرضها عليها بنسبة 10% و20% حسب مبلغ الربح الصافي المحقق، غير أن قانون المالية لسنة 2023 عاد ليؤكد مجددا على إعفاء الشركات الرياضية من مجموع الضريبة على الشركات طيلة خمس سنوات محاسبية.
وقال مودن: “وإن كان مشروع قانون المالية لسنة 2026 أكد من جديد على إعفاء الشركات الرياضية من الضريبة على الشركات طيلة مدة خمس سنوات محاسبية متتالية، فإنه غير الصيغة بتنصيصه على أن (تبتدئ من السنة المحاسبية التي أنجزت خلالها أول عملية بيع خاضعة للضريبة)، هذا إلى جانب تضمين مشروع هذا القانون مقتضى يمكن من خصم الهبات النقدية أو العينية الممنوحة لفائدة الشركات الرياضية المؤسسة طبقاً لأحكام القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، وذلك في حدود عشرة في المائة (10%) من الربح الخاضع للضريبة، دون أن يتجاوز مبلغ الخصم 5.000.000 درهم، وكذا توسيع نطاق الإعفاء المتعلق بزائد القيمة الناتج عن المساهمة بأصول وخصوم جمعية رياضية في شركة رياضية”.
كما تم تمديد منح الشركات الرياضية، وفق رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، إعفاء من الضريبة على القيمة المضافة من سنة 2026 إلى غاية سنة 2030. وحتى وإن كانت بعض هذه المقتضيات تروم تشجيع تحول الجمعيات الرياضية إلى شركات، وتحسين مصادر تمويلها وتوفير موارد متنوعة من هبات وغيرها، فإن ذلك لا يمنع من القول إن استمرار منظومة الدعم والإعفاءات هاته أمر مبالغ فيه، ويتنافي مع مبدأ العدالة الجبائية، ولا يستحضر البعد التضامني للجباية.
واسترجع مودن مقولة الألماني فرانس مونتفرينغ: “الأكتاف القوية ينبغي أن تتحمل الأعباء الثقيلة”، ليقول: “بهذه الامتيازات، فإن الحكومة تفوت على ميزانية الدولة مداخيل جد مهمة، خصوصا وأن كثلة أجور الرياضيين المحترفين بالشركات والجمعيات الرياضية جد مرتفعة، ويمكن لهذه المداخيل أن تسهم ليس فقط في تمويل ورش الحماية الاجتماعية بل وتكريس مجتمع تسوده قيم الوحدة والتضامن، لكن تظهر الحكومة وكأنها لا تأبه بكل ذلك”، على حد قوله.
أبعاد استراتيجية
قال أمين سامي، متخصص في التخطيط الاستراتيجي محلل اقتصادي، إن الضريبة المفترضة على القطاع الرياضي في مشروع قانون المالية لسنة 2026، ليست مجرد أداة جباية، بل هي استراتيجية إعادة هيكلة للمنظومة الرياضية، موردا أنها تحاول بذكاء تحويل القطاع من اقتصاد غير رسمي وهش إلى اقتصاد منظم، مستدام، وقادر على التضامن الداخلي وتمويل نموه بنفسه، مما يجعله رافعة حقيقية للتنمية البشرية والاقتصادية في أفق 2030.
وأضاف سامي، في تصريح لهسبريس، أن هذه الضريبة سيكون لها تأثير على أبعاد استراتيجية عدة، منها البعد المالي-الضريبي، من خلال الاستهداف الذكي؛ فالضريبة ليست عمومية، بل تستهدف صافي الأرباح وليس إجمالي الإيرادات، وتضع عتبة 5 ملايين درهم. وبالتالي هذا يحمي الأندية الصغيرة والمتوسطة ذات الهياكل المالية الهشة ويصب في عدالة ضريبية داخل القطاع.
واعتبر المحلل الاقتصادي نفسه أن إعفاء الاستثمارات في البنى التحتية والتكوين يحول الضريبة من “عقاب” إلى “أداة توجيه”، وبدلا من تخبئة الأرباح، يتم تشجيع الأندية على إعادة استثمارها في مجالات تنموية تعود بالنفع على المنظومة ككل.
وأوضح سامي أنه من خلال الانتقال من “جمعية” إلى “مؤسسة”، فإن فرض ضريبة على الأرباح يستدعي بشكل غير مباشر تبني أنظمة محاسبة ومراقبة مالية متطورة وشفافة. وبالتالي، هذا يدفع الأندية نحو الاحتراف الإداري والمالي، وهو أساس بناء نموذج اقتصادي رياضي مستدام، بالإضافة إلى تفكيك اقتصاد الريع؛ فالضريبة تستهدف “الأرباح” التي غالبا ما تأتي من بيع اللاعبين أو الصفقات التجارية الكبرى، مما يقلل من اعتماد النادي على المورد الواحد ويدفعه لتنويع مصادر دخله (التسويق، المنتجات، الاستثمار في الأصول…).
وبخصوص البعد الاجتماعي-الإنمائي، شدد أمين سامي على أن “توجيه 50 في المائة من حصيلة الضريبة لصندوق دعم الرياضة الوطنية يعني تحويل جزء من ثروات القطاع المحترف لدعم الرياضات الأقل جماهيرية، والرياضة النسوية، والرياضة في المناطق القروية، مما من شأنه أن يخلق نموذجا للتضامن المالي داخل الأسرة الرياضية، ويساهم في تحقيق العدالة المجالية الرياضية”.
المصدر: وكالات
