تستمر حياة الأديب والكاتب المغربي إدمون عمران المليح 15 عاما بعد رحيله جسداً عن دنيا الناس، مع وجهة نظر لحياته قدّمتها المخرجة وليدة المغرب سيمون بيتون في أحدث أفلامها الوثائقية، الذي تستمرّ جولاته بفرنسا بعد دول من بينها المغرب وبلجيكا وألمانيا وكندا، ويتناول حياة كاتب وناقد ومدافع عن استقلال المغرب ورافض لشرعنة احتلال فلسطين وقتل الفلسطينيين والإنسان كانَه “الحاج إدموند”.
وثائقي “ألف يوم ويوم: الحاج إدموند” برمجه للعرض في 4 نونبر المقبل معهد العالم العربي بباريس الفرنسية، بعدما عرض شهر أكتوبر الجاري بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وقبله بـ”ماراطون السينما بالرباط” الذي تنظمه الخزانة السينمائية المغربية، وبالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وبمهرجان السينما المتوسطية بمونبولييه، كما شاهده جمهور بروكسيل البلجيكية، وجمهور مهرجان الفيلم العربي بشتوتغارت الألمانية، ومهرجان ”دوكسا” للأفلام الوثائقية ببريتيش كولومبيا بكندا.
وسبق أن أعلن مجلس الجالية المغربية بالخارج دعمه عرض الفيلم الوثائقي للمخرجة المغربية سيمون بيتون حول الأديب المغربي إدمون عمران المالح، بمهرجان سينما الواقع بباريس.
وكان فيلم “الحاج إدمون”، للمخرجة المغربية فرنسية الجنسية، ضيف جولة عبر المعاهد الفرنسية بالمملكة، بوجدة، ثم فاس، فمكناس، والقنيطرة، ثم طنجة، والرباط، فالدار البيضاء، ومراكش، فأكادير، أبريل الماضي.
ويقدّم هذا الفيلم سيرة معيش مركّب لسياسي مغربي شيوعي ناضل من أجل استقلال بلده، وأستاذ فلسفة مطلّق للسياسة في معناها الحزبي، ولاجئ اختياريا بعد الاعتقال السياسي، ومحبّ للفنون، صار ناقدا، ثم روائيا بعد الستين. كما يقدّم سيرة مغربي يهودي عرف بدفاعه القوي عن القضية الفلسطينية، وإنسان في رحلة الصداقة، والحوار، والكتابة، والمعرفة، والذّوق، وعموم الحياة.
وتهتم معظم وثائقيات سيمون بيتون بالقضية الفلسطينية والمغرب والعالم العربي، وقد كانت معدّة وثائقي مرجعي حول تاريخ فلسطين حتى احتلالها وترسيمه من قبل الدول المهيمنة عالميا سنة 1948. ومازال هذا الوثائقي يعرض في مدارس فرنسية ومؤسسات ثقافية.
وأخرجت سيمون بيتون أفلاما وثائقية حول الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وحول حياة السياسي المغربي المهدي بن بركة، وحول جدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل وفرقت فيه بين الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها أمنيا وبين الأراضي الإسرائيلية التي يعيش فيها مواطنوها حياة مختلفة دون قيود في حركتهم مثل الفلسطينيين، ودون قوانين تجيز اعتقالهم وأبناءهم دون اتهام أو حدّ زمني وتجيز اقتحام بيوتهم دون إذن قضائي مثل ما يعيشه الفلسطينيون.
كما أرّخت بيتون في وثائقيها “راشيل” لواقعة اغتيال إسرائيلي مطلع الألفية الثالثة لناشطة أمريكية انخرطت في مساعدة الفلسطينيين، ولفت الانتباه إلى أوضاع “الفصل العنصري” والاحتلال التي يلقونها في حياتهم اليومية من طرف إسرائيل، قبل أن تدهسها أمام الناس والكاميرا جرافة حربية إسرائيلية، وهي لم تجاوز بدايات عشريناتها.
وفي وثائقي “زيارة” (2020)، سابق “الحاج إدمون” (2024)، قدّمت سيمون بيتون، انطلاقا من قبور ومزارات عائلتها بالمغرب وعائلات يهودية في مختلف مدن وقرى ومداشر البلاد، واقع مسلمين مغاربة يحفظون الذاكرة اليهودية المغربية، ماديا بحراسة المدافن والعناية بالأضرحة أو رمزيا بالبحث والتوثيق، ضدا على الدعاية الإسرائيلية التي تصوّر دول المنطقة على أنها لم تتقبل مكوّناتها الثقافية المتعدّدة، في سعي، سبق أن كشفه مثقفون من بينهم إدمون عمران المالح، إلى خلق تماه بين تاريخين لا علاقة بينهما؛ هما اضطهاد دول أوروبية لمن يدينون من مواطنيها باليهودية حدّ الإبادة والتهجير، وتعامل مواطني المغارب مع بعضهم، الذي اعتلّ خاصّة بعامل أجنبي هو الاختراع الأوروبي لدولة محدثة في فلسطين بعد احتلالها.
ورغم أن وثائقي “ألف يوم ويوم.. الحاج إدمون” لا يقتصر على جانب الدفاع عن القضية الفلسطينية في حياة إدمون الأديب، والصحافي المتواري خلف اسم “عيسى العبدي” في الصحافة المغربية الشيوعية قبل الاستقلال؛ فإن بيتون، في حوار مع موقع قناة “الأولى” الرسمية بالمغرب (2024)، تحدثت عن توضيب عملِها هذا والحرب الإسرائيلية على غزة الفلسطينية ولبنان قائمة؛ ما أثر فيه، وحمله مسؤوليةً، موردة: “أحسست بأنه من المهم جدا، خاصة الآن، هذا الصوت، صوت يهودي مغربي لا يرى نفسه في إسرائيل، مثلي، لقول إن يهودا مثلنا يؤكدون بقوة أن ما تجريه الآن إسرائيل على الفلسطينيين واللبنانيين ليس باسمنا، رغم ادعائها، في محاولة للاستيلاء على هويتنا وإرثنا. ولم يتوقف إدمون عن قول هذا؛ وهذا صوت مهم للفيلم كان سيكون مهما على أي حال، لكن الآن له أهمية أكبر، وأنا سعيدة أنه انتهى وسيشاهده خاصة شباب مغاربة في هذه الفترة”.
المصدر: وكالات
