أسامة أنور عكاشة
الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة (1941 – 2010)، المعروف بأيقونة الدراما التليفزيونية، كان حاضرًا في دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، لكن بأعماله القصصية الأولى، إذ بدأ مسيرته كاتبا للقصة القصيرة، قبل أن يتجه للدراما التليفزيونية التي أصبح أحد أعلامها الكبار، وجمعت ابنته نسرين أعماله القصصية في كتاب بعنوان «ظل لا يغيب»، صدر عن دار «بيت الحكمة».
يُعتبر الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة من أبرز الأسماء التي أثرت في الدراما المصرية والعربية، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، إذ تميزت أعماله بقدرتها على جذب المشاهدين، حيث كانت تجمع العائلات حول شاشات التلفاز لمتابعة مسلسلاته التي أصبحت جزءا من الطقوس الرمضانية.
تميزت كتابات «عكاشة» بعمقها وملامستها للواقع المصري، مما جعلها تثير في نفوس المشاهدين مشاعر الحنين والشجن، فمشاهدة أعماله تعيد إلى الأذهان ذكريات الزمن الجميل، وتستدعي لحظات من التأمل في القيم والمبادئ التي جسدها في شخصياته وقصصه، وما تزال مسلسلاته تُعرض حتى اليوم، محتفظة بجاذبيتها وقدرتها على التأثير، ما يعكس عبقريته في صياغة دراما تتجاوز حدود الزمن.
وكتبت نسرين أسامة أنور عكاشة مقدمة بديعة، جاءت في صورة رسالة مؤثرة توجهها إلى والدها الراحل، تحمل بين سطورها مشاعر الحنين والفخر والامتنان، بأسلوب رقيق نابض بالصدق، رسمت كلماتها صورة حية لعلاقة ابنة بأبيها، لم يكن مجرد كاتب عظيم أثرى الدراما العربية، بل كان ملاذا دافئا ومرشدا ملهما، في سطورها، لم تكن فقط تستعيد ذكرياتها معه، بل شاركت القارئ جزءا من روح الأب الذي لم يغب عنها يوما، مؤكدة أن إرثه الإبداعي لا يزال نابضا بالحياة، يضيء دروب عشاق الدراما، تماما كما أضاء حياتها من قبل.
وقالت «نسرين» في جزء من مقدمة الكتاب: لحظات أستعيدها مرارا وتكرارا مع كل لحظة عشتها في تلك الحياة التي تبدو صعبة في غيابك، أستعيدها مع كل تجربة حياتية يومية أمر بها، مع كل عمل أدبي مرئي لك أعيد مشاهدته عشرات المرات، ومع كل عمل أدبي مقروء، مكتوب بقلمك، أمرُّ بسطوره كل يوم.
ولكن -للمفاجأة التي قد لا يعلمها البعض- ما يقدمه أدبك المقروء من رسائل ومعانٍ قد يكون أكثر زخما وثراء من أشهر أعمالك المرئية، فهذه الأعمال الروائية -وتحديدا القصصية- تحمل بين سطورها حلما لم يصل لجماله من لم يقرأه، ومشاعر وشخوصا تغرقك بين أمواجٍ من أسمى المعاني والقيم.
ويتسع فيها عالم عكاشة الشاعري الحالم ليأخذ قارئه بين أحضانه، يغرقه في الخيال، يهدهد مشاعره بنعومةٍ؛ ولكنه في الوقت نفسه يحدثه بواقعية ويعبر عن همومه بمنتهى الوضوح، عالم «عكاشة» القصصي يجبر كل من يدخله على التفكير وتأمل الأحوال دون شعور بالألم، ويمنع زائره من تسطيح أفكاره دون تزيُّد، كما يفرض على طارق أبوابه كل الحب، كل الحلم.
وهنا، في هذا الكتاب، يُفتح باب جديد من أبواب هذا العالم القصصي، فيرحب بقرائه ترحيبا ودودا للغاية بتقديمه قصص أسامة أنور عكاشة من أولها، وصولا إلى محطة النهاية، وسيجد القارئ في تلك القصص أفكارا أبكارا، تتمتع بنضوج غير عادي، هنا تتحقق أمنية كل من كان يفتش بلهفة ويتساءل عن أعمال لـ«عكاشة» لم يرها، هنا سيكتشف أوراقا تحمل إبداعا قديما لـ«عكاشة» لكنها تطرب ببراعة.
وجاء في مقدمة الناشر: أسامة أنور عكاشة قلمٌ درامي خاص، استطاع أن يُرسخ أدبية الدراما في الحياة الثقافية العربية، بوعيٍ ناتج عن رؤية مستقبلية، تضع في اعتبارها أن النص المسموع والمرئي، الذي يدخل البيت وتنتظره الأسرة وتصاحب شخصياته وتتابعها يوميا، سيكون عظيم التأثير، لدرجة أنه يتجاوز -أحيانا- العمل الأدبي الخالص، لكن هذا المنتج لن يُحقق ذاك الأثر إلا إذا كان صاحبه أديبا بالفعل، تدرب في عالم الأوراق وكتب القصة باتجاهاتها وأشكالها، وخاض مسابقاتها، وقرأ آلافًا من أوراقها.
بدأت تجربة «عكاشة» الدرامية في مرحلة مبكرة، بعد أن اكتشف في نفسه الموهبة، وحلم بإبداع وجوده من خلالها، وفي جامعة عين شمس بكلية الآداب -حين كان طالبا يدرس علم الاجتماع وعلم النفس- تبلورت الهوية الأدبية له وسيطرت عليه، ولم يمض عامان على تخرجه في الجامعة (1962) حتى حصلت قصته «خارج الدنيا» على المركز الثاني في مسابقة «نادي القصة» -وكان رئيسه آنذاك محمود تيمور- في وقتٍ كانت القصة القصيرة هي ديوان الأدب، بعدما فتح لها يوسف إدريس الباب الكبير بعبقريته الفذة.
ظلت الكتابة ملازمة لـ«عكاشة»؛ فتعددت أعماله، ولم ينصرف عنها، حتى بعد أن أصبح عميد الدراما التلفزيونية العربية، من خلال الأعمال التي تابعها الملايين، ومن أهمها: «المشربية» و«أبواب المدينة» و«الشهد والدموع» -التي تحتفظ بمكانة خاصة في ذاكرة التلقي العربي حتى الآن- و«ليالي الحلمية» -التي تعد التطور المعاصر لألف ليلة وليلة الشهيرة- و«أرابيسك»- التي عالج فيها قضية الهوية- وصولا لـ«المصراوية»، هذه السلسلة الذهبية كانت تسير في الوقت نفسه الذي حاول صاحبها أن يظل مخلصا للورق مبدعا في مجال الأدب القصصي.
يضم هذا الكتاب الأعمال القصصية الكاملة لأسامة أنور عكاشة، وهي ما نشره في مجموعتي: «خارج الدنيا» (1967)، و«مقاطع من أغنية قديمة» (1985)، والقصص التي يتضمنها كتاب «على الجسر» (2005)، وهي تحتوي على مجموعة من القصص رأينا أنها تحتاج إلى ترتيب خاص؛ لأنها متوالية سردية اختار لها أسامة شكل العشريات كما أبدعه «جيوفاني بوكاتشيو» في عمله «الديكاميرون»، فكان علينا أن نعيد قراءتها لترتيبها بما يتفق مع رؤيته وشكل المتوالية وترتيب الأحداث فيها.
وبالإضافة إلى ذلك هناك قصة لم تُنشر من قبل، هي: «ظلٌ لا يغيب»، التي تُعد من بواكير أعماله، وتبدو فيها البذرة التي ستنمو بعد ذلك في مسيرته الدرامية الطويلة، ويُعد عنوانها علامةً على حضوره الدائم في الساحة الإبداعية، وهذه الأعمال القصصية تقف جنبا إلى جنب مع ما أبدعه أسامة في الدراما، وما أضافه كبار كتاب القصة إلى الأدب العربي والعالمي.
أبرز أعماله.. تركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة المشاهدين
– ليالي الحلمية: ملحمة درامية استعرضت تاريخ مصر من عصر الملك فاروق حتى التسعينيات، وشارك فيها نخبة من النجوم مثل يحيى الفخراني وصفية العمري وصلاح السعدني.
– الشهد والدموع: مسلسل تناول قضايا الظلم الاجتماعي والصراع على الميراث، مسلطا الضوء على القيم الأسرية والمبادئ الأخلاقية.
– الراية البيضا: عمل درامي ناقش الصراع بين الحفاظ على التراث والهوية من جهة، والجشع المادي من جهة أخرى، من خلال شخصية المعلمة فضة التي جسدتها ببراعة الفنانة سناء جميل.
– أرابيسك: سلط الضوء على فن صناعة الأرابيسك التقليدي، مجسدا التحديات التي تواجه الحرفيين في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن إلقاء الضوء على الهوية المصرية وكيفية الحفاظ عليها.
– زيزينيا: تناول حياة الأجانب المقيمين في مصر خلال فترة الاحتلال البريطاني، مسلطًا الضوء على التعايش الثقافي والتحديات التي واجهها المصريون في تلك الحقبة.
– رحلة أبو العلا البشري: قدم قصة الرجل المثالي الذي يسعى لنشر المبادئ والقيم الأخلاقية في مجتمع يسوده التناقض بين المثاليات والواقع، وقد جسد محمود مرسي شخصية أبو العلا ببراعة، لتصبح واحدة من أيقونات الدراما المصرية.
– عصفور النار: مسلسل استعرض قصة الطمح والصراع على السلطة وتحديدا منصب العمدة في إحدى القرى، حيث لعب محمود مرسي دور البطولة مجسدا شخصية معقدة تحمل مزيجا من الطموح والصراع النفسي، في عمل تميز بأجوائه المشحونة بالتوتر الدرامي العميق.
