كعادتهم هرول قادة التنظيمات الإسلاموية المصنفة إرهابية، وفى القلب منها تنظيم الإخوان المسلمين، إلى التهليل لهجمات ما تسمى بهيئة تحرير الشام ضد الجيش العربى السورى، وسارع المحللون المحسوبون عليها إلى وصفها بتجمع لفصائل المعارضة السورية الوطنية، ودعم تحركاتها المسلحة باعتبارها جهاداً لتحرير «دمشق».
اللافت أن جانباً كبيراً من الإعلام العربى، وبعض الساسة فى الشرق الأوسط، الذين دأبوا على وصف تلك التنظيمات بالإرهابية، قد تشاركوا مع أمرائها ومحلليها فى استخدام مصطلح فصائل المعارضة السورية فى التغطيات الإخبارية والمداخلات ومقالات الرأى.
تخطئ وسائل الإعلام العربية وكتّابها عندما لا يسمون الجماعات المسلحة المنطلقة من إدلب بمسمياتها الصحيحة والدقيقة والموضوعية، لأنهم بذلك يعاونون جنرالات الإرهاب فى المنطقة على ترسيخ مصطلحات ومفاهيم مغلوطة لدى الرأى العام العربى والعالمى، ويمنحون الجماعات الإرهابية المكونة لما يسمى بهيئة تحرير الشام مبرراً لما ترتكبه من جرائم بحق الشعب السورى، وشرعية لهجماتها الإرهابية، التى تستهدف إضعاف الدولة الوطنية فى سوريا، وخدمة مصالح الكيان الصهيونى والولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.
لم يخف قادة الجماعات الإرهابية فى سوريا فرحتهم بالعدوان الصهيونى على لبنان، وبمجرد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيونى والحكومة اللبنانية، وإطلاق مجرم الحرب الإرهابى «نتنياهو» تحذيره للرئيس بشار الأسد من الاستمرار فى دعم المقاومة، بدأت تلك الجماعات هجومها على نقاط تمركز الجيش العربى السورى، وكأنهم ينفذون خطة مسبقة الإعداد، ولسان حالهم يقول: «لبيك يا نتنياهو، لبيك يا إسرائيل».
المحللون السياسيون من أعضاء تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية سارعوا إلى تلاوة ما بدا أنه «اسكريبت موحد»، تم توزيعه عليهم، عبر شاشات التنظيم الإرهابى، والصحف المحسوبة عليه فى تركيا وبريطانيا.
مفاد قراءتهم أن الشعب السورى استغل لحظة ضعف كل من روسيا، بسبب ما تتعرض له من استنزاف فى حربها مع أوكرانيا، والجيش السورى، بسبب ما تعرض له من ضربات عبر سلاح الجو الإسرائيلى، وضعف حزب الله، وانشغال إيران بصراعها مع الكيان الصهيونى، وراحوا جميعاً يؤكدون أن من يسمونها بفصائل المعارضة السورية الوطنية تقاتل وحيدة، ودون دعم إقليمى، مختتمين حديثهم، طبقاً للنص الموزع، بالدعاء بالنصر وتحرير سوريا، مما يصفونه باحتلال «الجيش العربى السورى».
هكذا حلل وفسر كتاب ومحللو التنظيمات الإرهابية ما يجرى فى سوريا، وفى مقدمتهم المحسوبون على جماعة الإخوان المسلمين الهاربون من مصر وسوريا.
من الثابت فى الأزمة السورية، التى بدأت عام 2011، أن أطرافاً إقليمية، إلى جانب الولايات المتحدة، دعموا بالمال والسلاح والجهد الاستخباراتى خليطاً من التنظيمات الإسلاموية الإرهابية، من بينها ما يسمى بالجيش السورى، التابع لتنظيم الإخوان الإرهابى، فرع سوريا، وتنظيم داعش، وهو الدعم الذى بدأ من اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة، حيث بدأت بمصادمات مسلحة مع الجيش العربى السورى، ولم نر عبر تاريخ هذه الأزمة تحركاً شعبياً أو ثورياً سلمياً ضد النظام السياسى فى «دمشق».
وقد تنوعت أهداف الأطراف الداعمة بين مصالح اقتصادية وجيوسياسية، وأغراض شخصية ضيقة، غير أن المصيبة كانت واحدة، تمزيق سوريا، وتقطيع أوصالها بين جماعات دينية إرهابية، ومنظمات انفصالية كالأحزاب الكردية، التى شكلت تنظيماً مسلحاً «قسد» بدعم أمريكى.
ومن الثابت أيضاً أن عناصر جبهة النصرة وداعش كانوا يتلقون السلاح، ومختلف أشكال الدعم اللوجيستى، وحتى الرعاية الصحية للمصابين منهم، من قبَل الكيان الصهيونى.
هذا التاريخ الأسود محفوظ فى أرشيف الحكومات وأجهزة المخابرات ووكلات الأنباء، واستعادته أمر مهم لفهم حقيقة ما يجرى.
مجرم الحرب «نتنياهو» أعلن بوضوح أن الاتفاق المبرم مع لبنان وقف لإطلاق النار، وليس إنهاء للحرب، وقال، عبر قناة الـ14 الصهيونية، إنه يحتاج الوقت لتعويض خسائر جيشه، وتزويده بالسلاح، مؤكداً أنه سيعود للحرب ضد حزب الله، بعد تصفية حركة حماس فى غزة، والانتهاء من صراعه مع إيران عدوه الاستراتيجى، وفى هذا السياق تأتى هجمات الجماعات الإرهابية ضد الجيش السورى لمنع أى محاولة لتعزيز قدرات حزب الله اللبنانى، وربما تأتى تمهيداً لحرب مفتوحة ضد إيران.
تركيا، المعلن دعمها لجماعات الإرهاب فى إدلب، صرحت، عبر مسئول سياسى، بأن الهجوم محدود، وهدفه الضغط على «دمشق» لتسارع فى تلبية دعوة رئيسها «أردوغان» للتقارب والتنسيق مع الرئيس بشار الأسد، ومع ذلك لا يمكن التعويل على هذا التصريح، فى ظل غياب بيان تركى رسمى حتى ساعة كتابة هذه السطور، وذلك رغم إلحاح «أردوغان» على عقد هذا اللقاء منذ ما يقرب من عام.
قد ترى تركيا مصلحة سياسية لها فى هذه الهجمات، تلتقى مع مصلحة الكيان الصهيونى المستفيد الأكبر منها، غير أن استمرارها لوقت طويل يساعد الأمريكى والصهيونى على إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالحهما ويضر بمصالح القوى الإقليمية الرئيسية، وفى مقدمتها مصر وتركيا وإيران، إضافة إلى دول الخليج.