03:40 م
الجمعة 29 نوفمبر 2024
كـتب- علي شبل:
يزخر العديد من كتب الحديث والسيرة والتاريخ بالعديد من خطب النبي صلى الله عليه وسلم وهي متفرقة، ونجدها بكاملها وبمناسباتها في سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية وتاريخ الطبري والكامل لابن الأثير وسبل الهدى والرشاد للصالحي، ورغم ذلك تتكرر من وقت لآخر شبهة مفادها أن خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عاش في المدينة نحو عشر سنين، لم تجمع ولم تكتب في الأثر كاملة، وهي قضية تصدى لها كثير من العلماء بالرد والتوضيح.. وهو ما يرصده مصراوي في التقرير التالي:
يرى كثير من أهل العلم أن طارح تلك الشبهة يتخيل أن نبينا صلى الله عليه وسلم خطبه كخطب الخطباء المعاصرين الذين يخطب بعضهم نحو نصف ساعة وبعضهم ساعة، والنبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وارجوا ذلك إلى عدة أسباب، نورد منها الأسباب التالية:
الأول: أن هناك مدة طويلة مما عاشه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لم يكن فيه خطبة جمعة بسبب الغزوات، ففي السفر لا يوجد خطبة جمعة وفي العادة الكتب تذكر لك وقت المعركة ولكن لا تذكر لك كم استغرق السفر من أرض المدينة لأرض المعركة ولا مشوار العودة.
الثاني: أن كثيراً من خطب النبي صلى الله عليه وسلم كان سوراً
قرآنية مع ما هو وارد من أنه سيتلو على الناس ما نزل من جديد الوحي.
قال مسلم في صحيحه، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ، عَنْ بِنْتٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَتْ: «مَا حَفِظْتُ ق، إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ»، قَالَتْ: وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا.
الثالث: أن خطب النبي صلى الله عليه وسلم قصيرة جامعة مع ما ورد عنه أنه يعيد الكلام ثلاثاً ليحفظ.
وقد ورد عن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ , فَحَمِدَ اللَّهَ , وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ , ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ؛ أَيُّهَا النَّاسُ تَقَدَّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ تَعْلَمُنَّ , وَاللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ , ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ وَلَيْسَ لَهَا رَاعٍ , ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ رَبُّهُ لَيْسَ لَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا يَحْجُبُهُ دُونَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولٌ فَبَلَغَكَ؟ وَآتَيْتُكَ مَالًا وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ؟ فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَى شَيْئًا , ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ , فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقَّةٍ مِنْ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ , وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيْبَةٍ؛ فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ , وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ “ ثُمَّ خَطَبَ مَرَّةً أُخْرَى: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ, نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا , مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ , وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ , إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ فَقَدْ سَمَّاهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِوَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ , وَكُلُّ مَا أُوتِيَ النَّاسَ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ , فاعَبْدُوا اللَّهَ , وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ , وَاصْدُقُوا لِلَّهِ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ , وَتَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ بَيْنَكُمْ , إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
ورغم ذلك، زخرت كتب الفقه ببعض خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما أوضحه الدكتور أحمد نبوي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، قائلًا إن علي بن المدين، أستاذ الإمام البخاري، هو من جمع خطب النبى محمد صلى الله عليه وسلم، بألفاظها كاملة، لافتا إلى أن خطب سيدنا النبى موجودة فى كتب السنة.
وأضاف «نبوي»، خلال حلقة سابقة من برنامج «مع الناس»، على شاشة «قناة الناس»، أنَّ «الناس كلها تعرف الإمام البخارى فقط، لكن لا تعرف علي بن المدين، الذي بلغت مكانته عند البخاري أنه قال ما استصغرت نفسي إلا عنده.. على بن المدين ده هو اللى جمع خطب سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم».
وتابع الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، أنَّ «خطب الرسول موجودة فى كتب السنة، في أكثر من 20 كتاباً، كذلك بعض الكتب فيها الخطب بألفاظها».
صفة خطبته وما وقف عليه من خطبه- صلى الله عليه وسلم
ورد في «زاد المعاد»: كان مدار خطبته- صلى الله عليه وسلم- على حمد الله ، والثناء عليه بآلائه ، وصفات كماله ومحامده وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بالتقوى ، وتبيين موارد غضبه ، ومواقع رضاه .
وكان يقول في خطبه أيضا: «أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ، ولكن سددوا وأبشروا»، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم، ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله تعالى ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة.
وكان يقصر خطبته أحيانا ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس. كانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة، وكان يخطب النساء على حدة ويحثهن على الصدقة.
وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته كأنه منذر جيش ، وكان يخطب كثيرا بالقرآن ، وكان أحيانا يتوكأ على قوس ولم يحفظ أنه على سيف.
وكان منبره على ثلاث درجات، فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يقل شيئا قبله ولا بعده.
وروى أبو داود، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا تشهد قال : «الحمد لله نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا».
أول خطبة جمعة له صلى الله عليه وسلم
وأول خطبة جمعة له صلى الله عليه وسلم كانت في بني سالم بن عوف، ونصها كما جاء في الجامع الكبير للسيوطي وسبل الهدى والرشاد للصالحي نقلا عن ابن إسحاق، والبيهقي: أنه صلى الله عليه وسلم قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد: أيها الناس؛ فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه، وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام عليكم وعلى رسول الله ورحمة الله وبركاته. وقد ضعفه الشيخ الألباني في تخريج أحاديث فقه السيرة.
اقرأ أيضًا:
هل ذهب الأم المتوفاة حق لبناتها دون الأبناء؟.. الإفتاء توضح
إذا سها المسبوق في الصلاة قبل أن ينفرد عن الإمام فهل يسجد للسهو؟.. عالم سعودي يوضح