منذ الأحد الماضي ترقد في قسم الجراحة الخاص بالأطفال في المستشفى الجامعي محمد السادس بطنجة 5 حالات صعبة لأطفال تم نقلهم من مستشفى محمد الخامس بمدينة شفشاون، بعدما استفادوا من عملية ختان جماعي نظمتها إحدى الجمعيات في المدينة لفائدة أبناء عشرات الأسر المعوزة.
في 3 غرف متجاورة يرقد الأطفال الخمسة الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أشهر وسنة ونصف السنة، مع أمهاتهم اللواتي يعتصر قلوبهن الحزن على مصير أبناء باتوا مهددين بـ”فقدان أجهزتهم التناسلية” إثر التعفن الذي لحق بهم بعد عملية الختان الجماعية..
وقالت أم أحد الأطفال الذين زارتهم هسبريس في المستشفى الجامعي بطنجة، وهي تحمل ابنها الرضيع بين يديها: “وضع ابني سيئ جدا، وأخبروني بأن جرثومة خطيرة أصابت جهازه التناسلي والتهمت العرق ولا يمكن أن يعالج رغم التدخل الطبي”.
وأضافت الأم الشابة وهي تغالب دموعها: “ابني فقد كل شيء، والمكروب يمكن أن يكون خطيرا جدا حتى على صحته، فيما لم تظهر نتائج التحاليل الطبية التي أجريت له”، وتابعت: “الجمعية أخبرتنا بأن عملية الختان سيجريها طبيب جراح موثوق قبل أن نعرف أنها أجراها طبيب أطفال لا علاقة له بالجراحة”.
وفي الغرفة المجاورة لأم إسماعيل يرقد سيف الدين ويعقوب، وهما الآخران وقعا ضحية عملية الختان “غير السليمة”. ما إن لمحتنا أم أحد الطفلين حتى أخذت تبكي وتصرخ: “نريد حق أبنائنا وأن يصل صوتنا إلى المسؤولين حتى يعيدوا لهم حياتهم الطبيعية”.
بدت الأسر جد متحفظة في الحديث أمام الكاميرا، خوفا من نظرة المجتمع وقسوته، كما قالت إحدى الأمهات: “لا نريد الظهور بوجه مكشوف، يكفي ما نعانيه بسبب هذا المصاب. نريد حق أبنائنا والإسراع في علاجهم وإن تطلب الأمر نقلهم إلى الخارج”. وتابعت الأم المكلومة غاضبة: “لم نختن أبناءنا في المنزل أو السوق، بل في مستشفى الدولة بشفشاون، ونناشد المسؤولين إنقاذهم”.
وبعد نقاش مع الأسر قرر أب أحد الأطفال المصابين الحديث إلى كاميرا هسبريس، موردا: “بعد أيام من إجراء عملية الختان لم يتحسن الجرح، فأخذت ابني إلى الطبيب الذي كشف عنه ونادى علي أنا وأمه واستفسرنا عمن اعتدى على ابننا، وأخبرنا بأن الطفل يواجه مشكلا صعبا لأن من أجرى له العملية (تكرفص عليه)، فأجته: بسببك سقطنا في هذا المشكل، لأنهم أخبرونا بأنك من سيجري العملية لذلك وافقنا”.
وأضاف الأب المتألم لحال ابنه الصغير: “قال لنا الطبيب: كنت سأجري عمليات الختان قبل أن تغير الجمعية رأيها. هؤلاء يسيئون للأطفال باستغلال اسمي، سأحاسبهم على ذلك؛ قبل أن يجري اتصالا هاتفيا”.
وتابع الرجل شارحا المأساة التي وجد نفسه غارقا فيها: “بعد ساعتين نادوا علي، وطلبوا مني القدوم للمستشفى، متسائلين عما جرى لابني؟ فأجبتهم بأن هناك أطفالا آخرين، فأحضرناهم للمستشفى وقضوا فيه الجمعة والسبت والأحد، قبل يحيلونا ليلا على مستشفى طنجة”.
وزاد الأب الذي بدا متأثرا بشدة ونادما على قبول استفادة ابنه من عملية الختان الجماعية: “ابني حالته حرجة وخطيرة جدا. نطالب المسؤولين بعلاج هؤلاء الأطفال لاستعادة حياتهم الطبيعية”، قبل أن يردف: “نحن خائفون من أن يحملنا أبناؤنا مسؤولية الحادث بعد الكبر. أواجه موقفا صعبا، ولا أعرف كيف أنام بالليل أو النهار”، قبل أن يشرع في البكاء أسفا لحال ابنه الذي لا يعرف ما يجري حوله.
جريدة هسبريس الإلكترونية التقت الدكتور سعد الأندلوسي، أستاذ مساعد في جراحة الأطفال والمسالك البولية والجهاز الهضمي بالمستشفى الجامعي محمد السادس بطنجة، واستفسرته عن تفاصيل الموضوع، فأجاب: “استقبلنا الأحد الماضي في مصلحة المستعجلات 5 أطفال، كانت أجريت لهم عمليات ختان قبل 16 يوما، ويتراوح سنهم بين 5 أشهر وسنة ونصف السنة”، مؤكدا أن الأطفال الخمسة “يعانون من تعفن على مستوى جرح عملية الختان”.
وأضاف الأندلوسي: “استقبلناهم وبدأنا عملية العلاج، وكانوا في حاجة إلى مضادات حيوية مازالوا يتلقونها، وحالتهم مستقرة في الوقت الحالي”، وزاد: “الجرح في طور الاندمال، لكن لا يمكن أن نجزم بتحديد مستوى المضاعفات التي يمكن أن يتعرضوا لها مادام التعفن موجودا ولم يشف”.
وتابع الطبيب ذاته: “عندما يندمل الجرح ويشفى يمكن أن نقيم الأضرار التي لحقت بالجهاز التناسلي لكل حالة. وحسب نوع الأضرار الموجودة سيتم تحديد ما إذا كان الأطفال في حاجة إلى تدخل جراحي أم لا”.
كما أورد الأندلوسي: “حتى الآن لا توجد أي وسلية يمكن أن تخبرنا بوجود الضرر من عدمه، مادام التعفن موجودا”، لافتا إلى أنه “حتى إذا كانت هناك أضرار فإن التعفن يحجبها”، ومعتبرا أن “نتائج التحليلات الطبية التي أجريت ستحدد مستوى نجاعة المضادات الحيوية التي نقدمها للأطفال في مواجهة التعفن الذي أصاب أجهزتهم التناسلية”.
المصدر: وكالات