من التدابير الرئيسية البارزة والمتضمنة في التقرير المتعلق بـ”تنفيذ الميزانية والتأطير الماكرو اقتصادي لثلاث سنوات”، الذي استبق إصدار مشروع قانون المالية للسنة المالية المقبلة، “إطلاق ضريبة الكربون من أجل ملاءمة النظام الضريبي مع التحديات المناخية، من خلال اعتماد نظام ضريبي أخضر”.
حسب ما طالعته هسبريس، فإن هذا المستجد جاء مذكورا ضمن التقرير الصادر منتصف شتنبر 2024 في شق تدابير “السياسة الجمركية والضريبية لمشروع مالية 2025″، إذ يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2025 تدابير عديدة تتعلق بالسياسة الضريبية والجمركية المرتقب تنفيذها في إطار ما وصفها “تنفيذ إصلاحات ضريبية كبرى”، في حال المصادقة التشريعية عليها ضمن المسار التشريعي الذي من المرتقب أن يسلكه قانون الميزانية العامة بعد إيداعه في البرلمان بحلول 20 أكتوبر الجاري.
في غضون ذلك، أفاد مصدر من وزارة الاقتصاد والمالية جريدة هسبريس الإلكترونية بأن “إقرار ضريبة الكربون في القانون المالي المقبل لم يتم الحسمُ فيها بعد بشكل نهائي أو رسمي”، مؤكدا في السياق ذاته أن “المشاورات مستمرة بين مصالح المديرية العامة للضرائب وبين باقي الأطراف المعنية بالموضوع والفاعلة فيه، خصوصا شركات القطاع الصناعي واتحاد مقاولات القطاع الخاص بالمغرب”.
وتابع مصدر الجريدة متحدثا باقتضاب شديد: “… وجبَ انتظار الكشف عن صيغة مشروع قانون المالية للسنة المقبلة حتى نعرف كيفية صياغة وسبل إقرار الإصلاحات الضريبية التي كانت مبرمجة ضمن تقرير التأطير الماكرو اقتصادي؛ ومن ضمنها إطلاق ضريبة الكربون ونظام ضريبي أخضر fiscalité verte”.
“التضريب الأخضر”
من جهته، قال زين الدين عبد المغيث، أستاذ المالية العامة والضرائب بجامعة مولاي إسماعيل – مكناس، إن “تفكير ودراسة الحكومة المغربية الحالية لإمكانية تطبيق ضريبة الكربون يأتي بالموازاة مع التوجهات العالمية وكذا الالتزامات الوطنية نحو تقليل الانبعاثات الغازية الملوثة”.
وأضاف عبد المغيث، في تعليق لهسبريس، أن “إقرار ضريبة الكربون (التضريب الأخضر) هو أداة من أدوات التمويل المبتكر لتمويل ميزانية الدولة؛ وفي الوقت نفسه لغاية تعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر”، منوها إلى إيجابياتها العديدة باتجاه “دفع الشركات نحو تقليل بصمتها الكربونية؛ وبالتالي التزام المقاولات بالمسؤولية البيئية والاجتماعية، فضلا عن تعزيز وتنويع موارد الخزينة العامة ذات المصدر الضريبي”.
واعتبر أستاذ المالية العامة أن “ضريبة الكربون في حال تنفيذها في المغرب فإنها ستقرب الاقتصاد الوطني والمملكة عموما من تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر المستدام، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية للمغرب فيما يتعلق بالتغير المناخي (اتفاقيات ‘كوب’ والمساهمة الوطنية الموحدة).
وأثار الخبير الاقتصادي إشكالية أنْ “تواجه الحكومة مقاوَمة أو معارضة بعض القطاعات الاقتصادية التي ما زالت تعتمد بشكل كبير على الصناعات الطاقية الملوثة بالكربون خصوصا”، مقترحا “ضرورة التوازن بين رهانات الاستدامة البيئية وتحدي تحقيق التنمية الاقتصادية”.
“البُعد المناخي في الميزانية”
من وجهة نظر بيئية، لفت مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، إلى أهمية أن تسعى السلطات الحكومية المختصة إلى “إدماج وإدراج بُعد المناخ في البرامج الميزانياتية من أجل التدخل واستباق الكوارث الطبيعية (فيضانات، حرائق، موجات ارتفاع درجة الحرارة المتواترة…)، مؤيدا “فرض ضريبة الكربون على الشركات التي لها انبعاثات قوية من غازات ثاني اكسيد الكربون”.
وتابع الفاعل البيئي شارحا، في حديثه لجريدة هسبريس، أن “جميع قطاعات النشاط الاقتصادي، وليس الصناعات، تبقى في حُكم المَعنية بتنفيذ ضريبة الكربون والعمل على بناء نظام ضريبي أخضر”، مقترحا أن “يتم تنفيذها في جميع القطاعات مثل التنقل ومختلف القطاعات الإنتاجية وعلى طول مسار سلسلة القيمة”، وزاد أن “الأمر يتعلق بالانبعاثات الكلية، سواء الانبعاثات البشرية أو الذاتية للمُصنعين”، وفق تعبيره.
كما استحضر بنرامل إيجابية إقرار “الرسم الضريبي حسب بصمة الكربون ودرجة تأثيرها”، موصيا ومقترحا أن يتم العمل على “تشريع قانوني وتأطير تنظيمي لغاية تحديد عتبة الانبعاثات الغازات الكربونية من طرف الشركات”، مبرزا أن “قيمة الضريبة يجب أن تكون بالتناسب مع قيمة الانبعاثات ودرجة خطورتها”.
رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ قال إن “تقنين البصمة الكربونية بالمغرب يعد فعليا أحد الحلول الممكنة للحد من وتيرة تسارع التغيرات المناخية والتقليل من آثارها المدمرة”.
وأضاف بأن “تحمل الشركات للضريبة الكربونية سيُفيدها في ولوج أسواق كبيرة، خصوصا دول الاتحاد الأوروبي التي تشرع في تنفيذ العمل بها منذ سنة 2026 بالنسبة للمواد المستوردة من خارج التكتل الأوروبي”، معددا إيجابية ضمان “جودة الإنتاج في حال احترامها للمعايير البيئية الدولية طيلة سلسلة القيمة”.
وختم بأن “الشركات الملوثة أو غير المتمثلة لأهمية اعتماد النظام الضريبي الأخضر عليها أن تعِي أهمية تمويل المجتمع المدني البيئي والإيكولوجي في معركته من أجل التأقلم مع تغيرات المناخ؛ وهو جزء من الموارد المالية المهمة، يمكن توفيره في حال إقرار الدولة لضريبة الكربون والمرور إلى تطبيقها في 2025”.
المصدر: وكالات