“قبل أن أذهب إلى النوم، أضبط المنبه على عدة ساعات، منبه لكل ساعة. أخشى أن أفوّت إحدى نداءات الإجلاء”؛ هكذا يروي محمد (32 عاما)، الذي فر من الهجمات الإسرائيلية على صور في جنوب لبنان إلى بيروت على بُعد 70 كيلومترا شمالا، وأقام عند أصدقاء هناك.
يشن الجيش الإسرائيلي منذ أيام هجمات واسعة النطاق على لبنان، وخاصة في ضواحي العاصمة بيروت. ويوجه متحدث باسم الجيش الإسرائيلي للمواطنين هناك نداءات متكررة بالإجلاء، وغالبا ما يكون ذلك في منتصف الليل.
ولا يكون أمام المواطنين الكثير من الوقت لحزم أهم أمتعتهم. وبعد وقت قصير من نداءات الإجلاء يقوم الجيش الإسرائيلي بالهجوم. وغالبا ما يكون لدى الناس نصف ساعة للوصول إلى مكان آمن، وبعدها يتردد دوي انفجارات ضخمة للقنابل في أرجاء المدينة.
مدينة مشلولة
لم يستطع محمد النوم منذ أيام عدة. حتى عندما تهدأ الهجمات، كان يُفزَع من نومه عند حدوث أي ضجيج. يقول محمد: “بمجرد أن تتحرك سيارة بصوت عالٍ وتحدث ضجة، أستيقظ مرة أخرى لأنني أخشى أن يكون هناك هجوم جديد”.
وكتبت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس-بلاسخارت، على منصة “إكس” أن المدينة النابضة بالحياة المطلة على البحر المتوسط أصابها الخوف بالشلل، وأضافت: “الأزيز المستمر للطائرات المسيرة يحدد ملامح الحياة في بيروت”.
تتحدث الحكومة الإسرائيلية عن حرب ضد حزب الله الموالي لإيران، وليس ضد لبنان نفسه. ويهاجم الجيش الإسرائيلي – وفقا لتصريحاته – بشكل متكرر “البنية التحتية الإرهابية” للميليشيا الشيعية، التي تقع في مناطق سكنية مكتظة. ويتجلى حجم الدمار الهائل بشكل خاص في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تعتبر معقلا لحزب الله. وخلافا لما هو الحال في إسرائيل، لا توجد تقريبا هناك أي مخابئ للسكان في حال حدوث غارات جوية.
وتحدث شهود عيان عن دمار هائل. ويمكن رؤية أكوام هائلة من الركام والدمار في مقاطع الفيديو، والطرق التي طمرتها الأنقاض. وفي بعض الحالات يصل عمق الحفر الأرضية الناتجة عن الغارات الجوية إلى أمتار، وهي مشاهد تعيد إلى الأذهان الدمار الذي حدث في قطاع غزة، حيث تشن إسرائيل عمليات عسكرية عقب الهجوم الذي شنته حركة حماس عليها في 7 أكتوبر 2023.
الأمان المفقود
تأتي الطالبة ريان من حارة حريك في جنوب بيروت، وهي إحدى المناطق المتضررة بشدة من القصف الإسرائيلي. تقول ريان: “أعتقد أن منزلنا لا يزال قائما”، مضيفة في المقابل أنها ليست متأكدة تماما، حيث سمعت من الجيران أن المنازل المجاورة قد دمرت بالفعل. وعقب بدء الهجمات الإسرائيلية المكثفة هربت ريان إلى شقيقتها التي تقطن في شمال العاصمة اللبنانية، وقالت: “لكنني أعتقد أنه لم يعد هناك مكان آمن بعد الآن”.
وفقا للأرقام الرسمية، قُتل ما يقرب من ألفي شخص في لبنان منذ اندلاع القتال بين حزب الله والجيش الإسرائيلي قبل عام. وبدأ حزب الله مهاجمة شمال إسرائيل تضامنا مع حليفته حماس، وظل يطلق الصواريخ على إسرائيل منذ ذلك الحين. ونتيجة لذلك، فر إسرائيليون من المنطقة الحدودية مع لبنان. وفي منتصف شتنبر الماضي أعلنت الحكومة الإسرائيلية عودتها إلى هدف حربي آخر، وتنفذ هجمات يومية واسعة النطاق في لبنان منذ ما يقرب من أسبوعين. وقد أسفرت تلك الهجمات عن مقتل عدد كبير من كبار القادة والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إلى جانب مقتل مدنيين.
استحالة المغادرة
تقول منى من بيروت: “لا يمكننا المغادرة من هنا”، موضحة أن شركة الطيران اللبنانية “طيران الشرق الأوسط” هي التي لا تزال تُسيِّر رحلات من المطار الدولي الوحيد في لبنان. تقول منى: “لكن لم يعد من الممكن حجز مقاعد”، مضيفة أن دولا قليلة فقط تسمح للبنانيين بدخول البلاد دون تأشيرة.
ووفقا للأرقام الحكومية، نزح حوالي مليون شخص في لبنان حتى الآن. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، تم إيواء حوالي 350 ألف شخص في ملاجئ طوارئ. ووجد آخرون مأوى لدى أقاربهم. لكن كثيرين ليس لديهم مكان يلجؤون إليه فيضطرون للنوم في شوارع بيروت أو بناء ملاجئ مؤقتة لأنفسهم، كما يبيت كثيرون آخرون في سيارات، ويستخدمون الزجاجات لجلب الماء من البحر حتى يتمكنوا من الاغتسال.
ووفقا للأمم المتحدة، فر ما لا يقل عن 160 ألف شخص من لبنان إلى سوريا المجاورة، التي تمزقها الحرب الأهلية. وتتحدث الحكومة اللبنانية عن فرار أكثر من 200 ألف شخص. ولكن وفقا لإسرائيل، يُشتبه في أن حزب الله يقوم بتهريب الأسلحة إلى لبنان عبر سوريا. وأصبح طريق الهروب هذا خطرا بشكل متزايد منذ أن شن الجيش الإسرائيلي هجمات بالقرب من معبر حدودي إلى سوريا يستخدمه النازحون.
المصدر: وكالات