الدهس من أخطر الحوادث المرورية وأعمقها تأثيراً، إذ يخلّف تداعيات قانونية ونفسية تطال جميع الأطراف.وعلى الرغم من اختلاف ظروف كل حادث عن الآخر، فإن المتسبب يحمل كثيراً من التبعات النفسية في أعماقه بصمت، لتصبح مصدراً لمعاناة قد يطول أمدها.
وأكد أخصائي نفسي أن السائقين الذين يتسببون في حوادث دهس، خصوصاً تلك التي تؤدي إلى وفيات أو إصابات خطرة، يواجهون غالباً أزمات نفسية حادة، تشمل الشعور العميق بالذنب، وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، والاسترجاع المتكرر لمشاهد الحادث، واضطرابات النوم، إلى جانب العزلة الاجتماعية.
وأشار إلى أن الصدمات النفسية تؤدي في كثير من الأحيان إلى تدهور حالة المصابين بها، ما يدفع بعضهم للامتناع عن القيادة لفترات طويلة خوفاً من تكرار التجربة.
وأكدت مستشارة قانونية أن هناك حالات عدة يشعر المتسبب فيها بتأنيب الضمير، مثل ارتكابه الحادث بعد تعاطي مواد مخدرة أو كحولية، أو القيادة بسرعة زائدة، أو الانشغال بالهاتف، لأن هذه العوامل غالباً ما تصاحب الحوادث.
وتفصيلاً، قال استشاري الصحة النفسية ومحاضر علم النفس والصحة النفسية في مركز «تمكين للتدريب»، الدكتور محمد يحيى نصار، إن حوادث المرور بشكل عام، وحوادث الدهس بشكل خاص، تعد من أكثر الحوادث التي تتسبب في اضطرابات نفسية كبيرة، سواء بالنسبة للمتسببين بها، أو المتضررين منها، أو حتى الشهود عليها، لأن هذه الحوادث غالباً ما تترك آثاراً نفسية سلبية عميقة تؤثر في حياة الأفراد، وتستدعي تقديم الدعم النفسي والعلاج المناسب للتعامل مع تداعياتها.
وعزا نصار سبب الاضطرابات النفسية إلى استعادة الذكريات والأحداث المؤلمة المرتبطة بالحادث، سواء أثناء اليقظة أو خلال النوم.
وقال: «قد يتفاقم الوضع عند التعرض لمواقف مشابهة، مثل المرور في الشوارع، أو رؤية السيارات، أو حتى قيادتها، أو عند زيارة مكان وقوع الحادث مرة أخرى، ما يضاعف حدة تلك التجربة الصعبة».
أما الآثار النفسية السلبية المصاحبة لحوادث الدهس، فقال إنها تشمل مجموعة من الانفعالات السلبية، مثل التوتر والقلق والخوف المرضي (الفوبيا)، وفي بعض الحالات يتطور الأمر إلى الوسواس القهري المرتبط بعناصر الحادث، سواء كانت أفكاراً أو أفعالاً، لاسيما إذا تسبب الحادث في إصابات خطرة أو وفيات، وهو ما يمكن اعتباره من أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة.
وأضاف نصار أن هناك تغيرات حياتية ونفسية تطرأ على الأشخاص المتسببين في حوادث الدهس، حيث يميلون إلى تجنب أماكن رؤية السيارات، أو التوقف عن القيادة تماماً، وقد يعانون نوبات هلع عند محاولة القيادة مرة أخرى، إضافة إلى تزايد الوساوس والأفكار المرتبطة بالسيارات والحوادث، مشيراً إلى أن الأمر قد يصل إلى صرف انتباههم باستمرار للبحث عن أخبار الحوادث في الطرق أو متابعتها في الصحف والتلفاز، ما يعكس حجم التأثير النفسي العميق الذي تتركه مثل هذه الحوادث في أعماقهم.
وأشار إلى أن المتسببين في الحوادث قد يتأثرون على الصعيدين المهني والاجتماعي، فلا تعود حياتهم كما كانت قبل الحادث، إذ يسيطر عليهم الشعور بالذنب واللوم وتدني الثقة بالنفس، وقد تتأثر علاقاتهم مع المحيطين بهم، كما يتراجع أداؤهم في العمل والنشاطات اليومية، ما يؤدي في بعض الحالات إلى فشلهم في بناء علاقات اجتماعية ناجحة، أو الحفاظ عليها، مضيفاً أن هذه النتائج تختلف من شخص إلى آخر بناء على عوامل عدة، منها شدة الحادث، وآثاره النفسية، وقدرة الفرد على تجاوز الأزمة، والدعم الذي يتلقاه خلال هذه المرحلة.
وأوضح أن تجاوز الأزمة النفسية التي يعانيها المتسببون في حوادث المرور يتطلب دعماً فعالاً لمساعدتهم على التعافي من آثار هذه التجارب الصعبة، لافتاً إلى أن «العلاج المعرفي السلوكي يعد من أبرز الأساليب النفسية المستخدمة في معالجة هذا النوع من الحالات، حيث يوفر استراتيجيات متكاملة تستهدف التعامل مع أسباب وأعراض الاضطرابات الناتجة عن الحوادث».
وأكدت المستشارة القانونية والمحامية موزة مسعود أنه في حال أدى حادث دهس إلى وفاة المجني عليه، وتبين أن السائق لم يكن متعمداً، فإن الجريمة تُصنّف على أنها «قتل خطأ»، وفقاً للمادة 393 من قانون العقوبات الإماراتي، ويُعاقب الجاني في هذه الحال بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين على ألا تقل مدة الحبس عن سنة، إضافة إلى الغرامة، وذلك إذا كان الحادث ناجماً عن إخلال الجاني بواجبات مهنته من اتخاذ الحيطة والحذر، أو إذا كان يقود المركبة تحت تأثير المسكرات أو المخدرات.
وتابعت: «إضافة إلى العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات، هناك أيضاً العقوبات الواردة في قانون المرور الإماراتي في حال مخالفة أحكامه، وذلك بحسب نوع المخالفة المرتكبة ونسبة الخطأ في حادث الدهس، وتشمل الحبس والغرامة، وفقاً لما تقتضيه المخالفة، مثل عقوبة القيادة بدون رخصة وقت وقوع الحادث أو عقوبة الدهس والهروب في حال فرار السائق بعد وقوع الحادث».
وترى أن «حوادث الدهس تخلّف آثاراً نفسية على جميع الأطراف، سواء على المتسبب بالحادث أو على أقارب المجني عليه»، مشيرة إلى أن «الصدمة تكون شديدة على المتسبب الذي لم يقصد الحادث أو فوجئ به، وتسبب في وفاة شخص آخر، حيث يعيش تجربة قاسية لا تُمحى من ذاكرته».
وأوضحت أن «المتسبب قد يشعر بتأنيب الضمير إذا كان عليه جزء من المسؤولية، مثل تعاطي مواد مخدرة أو كحولية، أو القيادة بسرعة زائدة، أو الانشغال بالهاتف، لأن هذه العوامل غالباً ما تصاحب الحوادث، إضافة إلى خروج المجني عليه فجأة من أماكن غير مخصصة للعبور»، مضيفة أن «التأثير النفسي يمتد أيضاً إلى أقارب المجني عليه، خصوصاً الوالدين والإخوة الذين يواجهون صدمة نفسية عميقة قد لا تمحوها الأيام أو السنوات، نظراً لفقدانهم جزءاً عزيزاً منهم في هذه الحادثة المأساوية».
المسؤولية المدنية
بينت المستشارة القانونية والمحامية، أساور المنصوري، أن المادة 282 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي نصت على أن كل إضرار بالغير يُلزم فاعله، ولو كان غير مميز، بضمان الضرر، مشيرة إلى أن المسؤولية المدنية تختلف عن المسؤولية الجزائية، حيث قد تسقط المسؤولية الجزائية عن الفعل في حال كان الجاني مجنوناً أو غير مميز مثلاً، أما المسؤولية المدنية فتبقى قائمة، وتتمثل في إلزام الفاعل بالتعويض عن الضرر وجبره.