مُتهما بالنصب والاحتيال، وخيانة الأمانة في قضية بيع أراض في مديونة مقابل 49 مليون درهم، يجد صلاح الدين أبو الغالي نفسه في مأزق بعدما قضى 6 أشهر جزءا من القيادة الجماعية لحزبه، الأصالة والمعاصرة.
ليس صلاح وحده، بل إن هذه القصة وضعت سمعة عائلته بالكامل على المحك، ولقد سلطت مزيدا من الضوء على الثروة مترامية الأطراف التي يملكها أفرادها، والقائمة الطويلة للشركات التي يديرونها.
في هذه الأزمة، تعاود شركة محددة الظهور مجددا. شركة INDUSMED A تعد درة في تاج الأعمال الخاصة بعائلة أبو الغالي، وقد كانت مصدرا للمشاكل الكبيرة مع القضاء بالنسبة إلى هذه العائلة، سواء في عهد ربها بوشعيب أبو الغالي، أو في مرحلة أبنائها.
إليكم التفاصيل.
لم يكن ينقص صلاح الدين أبو الغالي في خضم أزمته إثر تعليق عضويته في القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، سوى مزيد من النبش في ماضي عائلته، وعلى نحو أدق: في الطريقة التي جُمعت بها ثروة عائلته.
لا يتحدث أبو الغالي عن والده، بو شعيب. لكن الثروة التي كونها هذا الرجل في فترة الثمانينيات، ستعود إلى ملاحقة ابنه في أوج الاتهامات في حقه بارتكابه النصب والاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما سارت معاملة تجارية بينه وبين زميل بالحزب بشكل سيء أدى حتى الآن، إلى الكثير من المشاكل.
ثروة غير محسوبة العواقب
سنكتشف خلال بحثنا في هذه القضية، الكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام، وقد كانت حتى اليوم، سرا في دولاب. كان كافيا تتبع خيط الشركة التي يوجد اسمها وسط هذه الأزمة، وهي INDUSMED A. من حيث الشكل، فهذه شركة صغيرة برأسمال ضعيف لا يتعدى 10 آلاف درهم، لكنها تسيطر على عقارات كبيرة.
في نتيجة سريعة، فإن هذه الشركة هي نفسها من كانت وسط أزمة أخرى أصابت عائلة أبو الغالي في الماضي. بوشعيب أبو الغالي، والد صلاح الدين، أدين بالحبس أربع سنوات عام 1995، بعدما اعتبرته المحكمة مذنبا بتهمة خيانة الأمانة والنصب والتزوير واستعماله في محررات تجارية. في عام 2000، أيدت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء الحكم الابتدائي، بل ورفعت عقوبته إلى خمس سنوات بدلا عن أربع.
ما هو مهم أكثر، هو ما يلي: فقد ألزمت المحكمة بوشعيب أبو الغالي بدفع 492 مليون درهم لفائدة شركة « النصر » للتأمين. اعتُبر أبو الغالي مختلسا لحوالي 50 مليارا من السنتيمات في تلك الفترة من الثمانينيات.
كيف ذلك؟ كان بوشعيب أبو الغالي عضوا في مجلس الإدارة لشركة التأمين هذه، واسمها بالفرنسية LA VICTOIRE، ومقرها بالدار البيضاء. وقد كان هو المسير لهذه الشركة منذ تأسست عام 1980. في غضون تسع سنوات، كان الرجل قد جفف مواردها، وقد تركها عرضة للإفلاس مع نهاية عام 1989.
في ذلك الوقت، أصدر وزير المالية، محمد برادة، قراره بإيقاف أبو الغالي وباقي أعضاء مجلس إدارة هذه الشركة عن الوظائف التي كانوا يشغلونها في شركة التأمين تلك. وبدأت مسطرة قضائية طويلة بحق أبو الغالي ستفضي إلى إدانته.
لكن ما ذنب الأبناء إذا كان آباؤهم خارجون عن القانون؟ بالنسبة إلى صلاح الدين أبو الغالي، فإن اسمه لم يرد سوى في دعوى قدمتها شركة التأمين عام 2002، في مواجهة والدته، وكان هو بين ورثة والده، وهم كل من عبد الصمد وكوثر وفاطمة الزهراء أبو الغالي، وكذلك فاطمة شفيق.
في هذه الدعوى، نعثر على أثر الشركة التي تسببت في كل صداع الرأس بالنسبة إلى أبو الغالي نفسه. INDUSMED A تعتبر واحدة من الحلقات الرئيسية بين ثروة بوشعيب أبو الغالي، وبين أعمال أبنائه. بواسطة هذه الشركة، أبرم شقيقه عبد الصمد أبو الغالي عقود بيع تلك الأراضي الشاسعة في مديونة، وهي الشركة نفسها التي كانت شركة التأمين، النصر، تطاردها في المحاكم سعيا إلى صد محاولة والده، بوشعيب، تفويت حصصه من الأسهم فيها إلى زوجته وقتئذ، نزهة العدلوني، قبل أن تأتي الشركة مطالبة بأموالها منه.
لم تتوقف الشركة عن ملاحقة بوشعيب وهو بصدد تفويت أي شيء باسمه إلى زوجته، وإلى أبنائه الذين كانوا حينئذ أطفالا قاصرين. بعض أبرز هذه التفويتات التي اعتبرها حكم أولي « صورية »، حدثت يومين قبل الحكم عليه في 15 دجنبر 1995 بالحبس وفق لائحة التهم التي وجهتها ضده النيابة العامة.
في 4 مارس 2004، ستصدر المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء حكما بإبطال عقود التفويت التي أجراها بوشعيب أبو الغالي لفائدة زوجته (وورثته)، وقد اعتبرت أسهمه في شركة INDUSMED A ضمانة لتسديد ديون شركة التأمين التي جفف أموالها في الماضي.
ليس هناك ما يشير على وجه التحديد إلى وجود صلة بين هذه الأموال المختلسة، والثروة التي يديرها صلاح الدين أبو الغالي في الوقت الحالي. وعندما سألناه عن هذه القضية، رد بالقول « إن الحكم الابتدائي المشار إليه آنفا، لم يتم تأييده في الاستئناف ». يفسر ذلك استمرار هذه الشركة في إبرام العقود بعدما آلت مهمة التسيير فيها من والدته إلى شقيقه عبد الصمد. تعتبر هذه الشركة بمثابة مؤسسة للعائلة، بالرغم من أن أبو الغالي يشدد في حديثه معنا على أنه « لم يكن طرفا في الملف ». وحتى الآن، مع بروز أزمته في الحزب، ما زال يؤكد أن الشركة « لا تعود إلي، وإنما إلى شقيقي عبد الصمد ». لم يجب أبو الغالي عن أسئلة إضافية بشأن هذه الشركة.
لنشر بوضوح إلى أن عنوان هذه الشركة في 48، شارع رحال المسكيني بالدار البيضاء، هو العنوان نفسه لمقر « راديو لوكس » في الدار البيضاء، والمملوك لصلاح الدين أبو الغالي، وهو أيضا عنوان شركة أخرى للإشهار العقاري اسمها INDUSMED B، وهي في ملكيته أيضا دون إنكار.
بنضو، صلاح، عبد الصمد… وإندوسميد -أ-
ستعود هذه الشركة إلى الظهور بشكل مصدر للمشاكل مجددا بالنسبة إلى عائلة أبو الغالي، وهذه المرة، كانت سببا في إسقاط الابن، صلاح الدين، من قيادة « الجرار ».
بحسب شكوى زميله في الحزب، عبد الرحيم بنضو، فصلاح الدين أبو الغالي موجود في كل مكان في أعمال هذه الشركات، بدءا من استخلاص أموال بدعوى تخصيصها لتنفيذ التزامه باستخراج القطعة الأرضية من المساحة الإجمالية. بين 10 شيكات سُلمت لهذا الغرض في الفترة ما بين 14 أكتوبر 2022 و17 يوليوز 2023، فإن ثلاثة منها بحسب الشكوى، ذهبت مباشرة لفائدة صلاح الدين أبو الغالي باسمه، أو سحبها بنفسه. في كل شيك مليون درهم. بالإضافة إلى هذه الشيكات الثلاثة، فقد تلقى صلاح الدين أبو الغالي كما تضيف الشكوى، شيكين اثنين لفائدة الشركة التي يسيرها، واسمها « سايلور كروب ».
في مطلع عام 2024، تقول الشكوى إن صلاح الدين أبو الغالي طلب من بنضو أن يلتقي معه عند الموثق، وخلال هذا اللقاء وبحضور أخيه عبد الصمد، أخبره أبو الغالي بوجود مفاوضات بينه وبين «بنك إفريقيا» لخفض مبلغ الدين على شركة « إندوسميد أ » على أساس الالتزام بأداء مبلغ 40 مليون درهم.
بموجب بروتوكول اتفاق مبرم بين البنك المذكور وشركة « إندوسميد -أ- » وشركة « كتري رون »، وصلاح الدين أبو الغالي وشقيقه عبد الصمد، ونزهة العدلوني (والدته)، بوصفهم كفلاء، يقضي بأن الشركات المدينة وكفلائها قد التزموا بإرجاع الدين على أساس حصر دين شركة «إندوسميد -أ-» في 60 مليون درهم يؤدى منه 40 مليونا بواسطة التزام صادر عن الموثق مقابل تسليم رفع اليد عن الرهن المثقل به العقار ضمانا لأداء مبلغ 75 مليونا و268 ألف درهم. من الواضح أن المشاكل مازالت تلاحق شركة « إندوسميد -أ- » منذ تلك الفترة البعيدة في الماضي.
حتى الآن، كانت العملية تسير وفق ما يجب. ثم فجأة سيحدث تغيير هائل. يقول بنضو في شكواه، إن شركتي « إنسوميد -أ- » و « ميدنوس » ممثلين من طرف عبد الصمد أبو الغالي، وبمقتضى عقد محرر بتاريخ 26 أبريل 2024، ستفوتان إلى شركة «أبرار التعمير» في شخص ممثلها القانوني فيصل كرماشي، مجموع الملك المسمى «تيران المنصور» بثمن إجمالي قدره 60 مليون درهم.
وقف بنضو عاجزا كما يبدو، لكنه أصر على أن يكشف دور صلاح الدين في هذه الأعمال المربكة لعائلته. ويقول: « بالرغم من كون اسم عبد الصمد أبو الغالي هو الظاهر في الوثائق، إلا أن من كان يقوم بكل الإجراءات هو أخوه صلاح الدين أبو الغالي »، وهو « أمر ثابت من عدة قرائن ووثائق، وإن احتاج الأمر إلى شهود فإنني مستعد للإدلاء بأسمائهم »، كما يخلص بانزعاج.
كيف كانت نتائج هذه الأزمة على الصعيد القضائي بالنسبة إلى عائلة أبو الغالي، فإن مشاكلها لم تنته بعد في مواجهة ميراث والدها مع شركة التأمين تلك. الأشباح التي يُعتقد بأنها قد توارت إلى الظل، عادت مجددا، دفعة واحدة إلى الظهور.
كيف بدأ… بماذا بدأ؟
أعمال العائلة تدار عادة بأشكال غريبة، إلا أن صلاح الدين لم يبدأ لتوه في إدارة تجارة عائلته.
مبكرا، شرع في تأسيس الشركات. وبالتزامن مع ذلك، لم يكن هناك شيء بمقدوره كبح طموحه السياسي أيضا.
كانت مسيرته السياسية مرسومة بشكل واضح نظرًا لمساره الأكاديمي، كما هو موضح بعناية في حسابه على « لينكد إن ». بعد حصوله على شهادة البكالوريا عام 1999 من المدرسة الأمريكية في الدار البيضاء، توجه صلاح الدين أبو الغالي إلى جامعة « لويل » بولاية ماساتشوستس، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية.
بعد ذلك، تابع صلاح الدين أبو الغالي دراسته ليحصل على ماجستير في الإدارة العامة من جامعة « بيربينيان »، ثم ماجستير آخر في الإدارة العامة والعلاقات الدولية من جامعة « سويسي » في الرباط.
في عام 2016، بدأ بإعطاء دروس في جامعة الحسن الثاني بعين الشق في الدار البيضاء بصفة أستاذ زائر، كما هو مذكور في ملفه الشخصي.
على أي حال، فإن اختياره لهذا المسار الأكاديمي يفسر انخراطه في السياسة منذ حوالي خمسة عشر عامًا، حيث شغل خلالها عدة مناصب مسؤولية داخل حزب « الجرار »، الذي مثله في البرلمان منذ عام 2011، بصفته منتخبًا عن دائرة مديونة التي كان رئيسًا لمجلسها الإقليمي، وما زال يرأس جماعتها حتى الآن.
لم يكن لهذه الاهتمامات بالعمل السياسي تأثير سلبي على المطامح التجارية لدى هذا الرجل.
في بحث قام به موقع « ميديا 24 »، نكتشف أن أبو الغالي قام بإنشاء أول شركة في مايو 1999، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة تُدعى « كازابلانكا إنفستمنت جروب »، التي تعمل في تجارة الجملة. برأس مال اجتماعي قدره 100,000 درهم، هذه الشركة يديرها شخص واحد فقط وفقًا لأبحاثنا، وهو نفس الشخص: صلاح الدين أبو الغالي.
بعد أربع سنوات، تأسست شركته الثانية، وهي شركة مجهولة الاسم ذات مجلس إدارة، برأس مال اجتماعي قدره 80 مليون درهم. تأسست في يوليو 2003 مع شقيقه عبد الصمد وشركاء آخرين من أفراد عائلة أبو الغالي. هذه الشركة، التي تُدعى « Le Carré Rond »، تعمل في قطاع المطاعم.
وفي مجال بعيد عن هذا القطاع، استثمر صلاح الدين أبو الغالي بعد ذلك بعامين، في عام 2005، في مجال الإعلام، وبالتحديد في الراديو. أنشأ شركة « Radioveille » (راديو لوكس)، برأس مال اجتماعي قدره 10 ملايين درهم، وكان إلى جانبه شقيقه وشريكه عبد الصمد، بالإضافة إلى أعضاء آخرين من عائلة أبو الغالي.
في عام 2007، أسس أيضًا مع شقيقه وشريكه شركة « Medinbus »، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة تعمل في مجال الترويج العقاري، برأس مال اجتماعي قدره 10,000 درهم.
وفي العام نفسه، ومع العائلة ولكن دون شقيقه عبد الصمد هذه المرة، استثمر صلاح الدين أبو الغالي في قطاع الإعلانات من خلال شركة « Media9″، حيث يمتلك 50% من الأسهم.
في عام 2008، أصبح صلاح الدين أبو الغالي شريكًا ومديرًا لشركة الترويج العقاري « Indusmed B »، التي تم الاستحواذ على حصصها بالكامل في عام 2015 من قبل عبد الرحيم بنضو، عضو حزب الأصالة والمعاصرة (PAM) والمدعي الرئيسي في القضية التي أثارت ضجة داخل حزب الجرار. يبدو أن الرجلين كانا قد قاما بأعمال مشتركة من قبل.
شركة أخرى للترويج العقاري، هذه المرة يديرها شقيقه عبد الصمد منذ عام 2014 فقط، وهي « Mediouna Industrial Properties »، التي تأسست في عام 2009 وهي حاليًا تواجه صعوبات.
في عام 2013، أسس الأخوان شركة « Parkland Immo » التي تعمل في قطاع البناء والترويج العقاري، وفي عام 2014 أسسا شركة « Les Fleurs de 110 » التي يديرانها معًا، وشركة « Diyar Annouzha » في عام 2015 حيث يمتلكان فيها 50% لكل منهما.
كما قام صلاح الدين أبو الغالي في مارس 2022 بتأسيس شركتين للترويج العقاري في نفس اليوم مع أعضاء آخرين من العائلة، وهما « Massav Trust » و »Saylor Corp »، وهو يديرهما منذ ديسمبر 2022.
تنويه:
« يعتبر صلاح الدين أبو الغالي أن هذه التفاصيل تندرج ضمن الحملة التشهيرية التي يتعرض لها كونه متشبثا بموقفه وبقوانين الحزب، وعدم إقحام الحزب في الشؤون التجارية بين الشركات والخواص ».
المصدر: وكالات