أعاد قاضٍ في سبتة الجدل حول قانونية قيام قوات حراسة الحدود في هذا الثغر بإعادة المهاجرين استنادا إلى « الإعادة الساخنة » عندما يدخلون المدينة عن طريق البحر، وذلك بعد إصدار حكمين يشككان في قانونية هذه الممارسة. أثارت هذه الأحكام النقاش حول « الرفض على الحدود »، وهو المصطلح الذي أعادته حكومة ماريانو راخوي للتعامل مع الإعادات السريعة للمهاجرين.
ما الذي يُحظر فعله في البحر ولكن يمكن ممارسته داخل اليابسة؟ إعادة المهاجرين. هذا هو رأي رئيس المحكمة الإدارية رقم 2 في سبتة، الذي أصدر حكمين في يناير وسبتمبر من هذا العام، قضى فيهما بأن إعادة اثنين من الأجانب اللذين وصلا إلى ساحل سبتة بطريقة غير نظامية كانت غير قانونية.
تشكل هذه الأحكام نبأ سيئا للسلطات على جانبي الحدود، وهي تسعى إلى صد الموجات المتكررة للهجرة سباحة، أو بالقفز على السياج الحدودي. من شأن ذلك أن يقوض الجهود التي تُبذل في الوقت الحالي لوقف تنفيذ موجة هجرة جماعية جديدة حدد لها موعد في 30 سبتمبر، حيث يتم الدعوة في وسائل التواصل الاجتماعي، للمشاركة الجماعية فيما يسمونه «الهجوم» على الثغر المحتل.
قرار القاضي أعاد مرة أخرى إلى الواجهة الجدل حول مفهوم « الإعادة الساخنة »، الذي أعيد تسميته سابقًا باسم « الرفض على الحدود » في المصطلحات القانونية.
كانت الإعادة الساخنة مصدر إزعاج للحكومات الإسبانية، التي رغم اعتبارها حلًا سريعًا وفعالًا لمكافحة الدخول غير القانوني عبر حدود سبتة ومليلية، إلا أنها واجهت انتقادات من الأمم المتحدة ومجلس أوربا ووسيط الجمهورية ومنظمات إنسانية مثل منظمة العفو الدولية، الذين رأوا فيها انتهاكًا لحقوق الإنسان. ومع ذلك، في عام 2015، قدّمت حكومة ماريانو راخوي غطاءً قانونيًا للإعادات الساخنة عبر تعديل قانوني. ففي إطار مشروع قانون الأمن العام، أُدخل تعديل على قانون الأجانب عبر البرلمان لجعل هذه الممارسة متوافقة مع حقوق الإنسان.
أُضيفت مادة إضافية إلى قانون الأجانب تنص على ما يلي: « يمكن رفض دخول الأجانب الذين يتم ضبطهم عند الحدود في سبتة أو مليلية أثناء محاولتهم تجاوز حواجز الحدود بشكل غير قانوني، لمنع دخولهم غير القانوني إلى إسبانيا ».
أحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان والمحكمة الدستورية الإسبانية في عام 2020 أكدت أن هذه الممارسة، المُسماة الآن « الرفض على الحدود »، لا تنتهك حقوق الإنسان، ولا تتعارض مع الدستور الإسباني.
ومع ذلك، أحكام المحكمة في سبتة أعادت الجدل. فالرفض على الحدود مُبرر قانونيًا على الحدود البرية، لكن ماذا يحدث إذا تمكن مهاجر غير نظامي من دخول إحدى المدينتين عبر البحر؟
وقضت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في فبراير 2020 بأن الإعادة الساخنة، فيما يتعلق بمهاجرين دخلوا مليلية عن طريق تسلق السياج الحدودي، لا تنتهك الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان. وذكرت المحكمة أن المهاجرين قد دخلوا بطريقة غير قانونية وبالقوة، وأن الإعادة كانت نتيجة لسلوكهم، وكان بإمكانهم طلب تأشيرة أو حماية دولية لدخول إسبانيا بشكل قانوني.
ورغم معارضة الحزب الاشتراكي الإسباني للإعادة الساخنة، فقد واصل استخدامها بعد وصوله إلى الحكومة في ضوء القرارات القضائية الأوربية.
في نوفمبر 2020، أصدرت المحكمة الدستورية الإسبانية حكمًا يقضي بأن « الرفض على الحدود » دستوري بالكامل، وشرعت هذه الممارسة للتعامل مع محاولات الدخول العنيف عبر حدود سبتة ومليلية.
ومع ذلك، يرى قاضي سبتة أن في حالتي المهاجرين المذكورين لم يتم اتباع أي إجراء قانوني لترحيلهم، ولم يحصلوا على مساعدة قانونية أو مترجم، ولم تصدر أي قرارات بإعادتهم. بالإضافة إلى ذلك، أشار القاضي إلى أن المادة الإضافية العاشرة من قانون الأجانب تتعلق بحالات « تسلق السياج »، وهي مختلفة عن الحالة الحالية التي تتعلق بمحاولة دخول سبتة عن طريق البحر.
هذا الحكم أثار قلق السلطات التي تدرس العواقب القانونية إذا أصبح من غير الممكن إعادة المهاجرين الذين يدخلون سبتة عن طريق البحر إلى بلدهم. ومع ذلك، فإن هذه الأحكام لم تصبح نهائية بعد، ويمكن الطعن فيها أمام المحاكم العليا.
ولا تزال تداعيات أحداث 15 سبتمبر مستمرة، وهو حدث غير مسبوق. ست محاولات اقتحام للسياج في غضون ساعات قليلة، قادها مهاجرون أغلبهم مغاربة، وأيضا آخرون من دول جنوب الصحراء وجزائريون، بينهم العديد من القُصّر.
إعادة التعبئة
أطفال لم تتجاوز أعمارهم حتى 10 سنوات. هذا هو أكثر ما لفت الانتباه في هذا التحرك الذي استند إلى دعوات جماعية للعبور نُشرت عبر «فايسبوك»، مجموعات «واتساب»، وتطبيقات أخرى. كل ذلك يعتمد على معلومات زائفة، وفيديوهات من «تيك توك» بوعود مضللة. إنها الوسيلة المثالية لتحريك الجماهير، وهي ما دفع مئات الأشخاص ليس فقط لمحاولة الدخول إلى المدينة، بل أيضًا لمواجهتهم قوات الأمن دون خوف، ورميها بالحجارة، وتخريب الممتلكات العامة في الشوارع، وإلحاق الأضرار بالحافلات، وإشعال النيران.
لم يتمكن أي من هؤلاء الأشخاص من دخول سبتة، لكن تم تسجيل حقيقة مقلقة: وجود كتلة اجتماعية واسعة تعبر بهذه الطريقة عن استيائها من المغرب، وتسعى أو تدعي أنها تسعى لتدمير كل شيء.
وتقدم السلطات كمقياس لنجاح خطتها، إعاقة عبور الآلاف إلى سبتة بفضل التعبئة الأمنية غير الاعتيادية، إلا أن الثغرات التي تسللت منها حشود متفرقة من المئات من المرشحين للهجرة، إلى الفنيدق ثم وصولا إلى الحدود، أفضت في نهاية المطاف إلى الاضطرابات التي حدثت.
في الواقع، لم تنشأ عن العرض الأمني الهائل الذي قدمته السلطات قبل 15 سبتمبر نتائج كبيرة على صعيد إيقاف الحملة نفسها. من الواضح أن الأعداد الكافية من القوات العمومية لم تكن متوفرة، لكن السلطات قررت المضي في الخطط يملؤها الأمل في تراجع الشبان عن تنفيذ محاولة الهجرة الجماعية بعد الاستعراض الهائل للقوات الأمنية.
ستتم مراجعة النتائج وتحليلها؛ فالأضرار المادية كبيرة، ليست فقط في الحدود، بل وفي الفنيدق بشكل أكبر، حيث لم تنفع الإجراءات المتخذة من قبل في إبعاد البلدة عن التحول إلى ساحة حرب حقيقية.
الردع في أفق 15 سبتمبر
ويلاحق القضاء المغربي 152 شخصا بسبب دعوات تحرض على الهجرة غير القانونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نتج عنها نزوح آلاف الشباب والقصر نحو جيب سبتة الأحد الفائت، وفق ما أعلنت الحكومة الخميس.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي «في إطار محاربة دعوات التحريض على الهجرة السرية تم تقديم 152 شخصا أمام أنظار العدالة».
وأضاف ردا على أسئلة حول محاولات الهجرة المكثفة «نأسف لما حدث… للأسف يتم تحريض بعض الشباب من طرف جهات غير معروفة عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي».
وأوضح بايتاس أن «عدد الأشخاص الذين حاولوا الهجرة بشكل غير قانوني يناهز 3 آلاف»، مؤكدا «تم إفشال كل المحاولات».
أثار الحادث انتقادات لاذعة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن جانب أحزاب معارضة حول أوضاع الشباب الأكثر معاناة من الفوارق الاجتماعية في المملكة.
وأظهرت مقاطع فيديو العديد من القاصرين بين الموقوفين، فيما أثارت صورة تظهر بعضهم جالسين بظهور عارية قرب سيارة لقوات الأمن، جدلا واستياء واسعين.
وأعلنت النيابة العامة على إثر ذلك «فتح بحث قضائي في الموضوع للوقوف على مدى صحة هذه الوقائع وخلفيات نشر تلك الصور».
المصدر: وكالات