يواجه أصحاب المهن التوثيقية هذه الأيام مشاكل عديدة خلال عمليات نقل الملكية العقارية التي يدبرونها لفائدة الأفراد والشركات، وذلك بعدما تسببت حجوزات “الإشعار لدى الغير الحائز” ATD الصادرة عن المديرية العامة للضرائب في “بلوكاج” العمليات المذكورة، إذ تجد صفقات عقارية نفسها عالقة بسبب خلافات بين الورثة، أو تعسّر مالي لدى أحد الأطراف، علما أن المعاملات العقارية في المغرب تعد الأقل مرونة مقارنة مع دول أخرى، حيث تتداخل معها عوامل مثل الضرائب والأملاك على الشياع.
ويسائل تجميد صفقات عقارية بسبب حجوزات جبائية المرونة الضريبية في المغرب، على اعتبار أن سبب عدم إتمام عملية الملكية في أغلب الأحيان يرتبط بخوف أحد الورثة، الذي يرفض التوقيع على بيع العقار، من عدم تعطية حصته من الصفقة ديونه الضريبية. ويحدث هذا عندما يكون وريث ما مثقلا بالضرائب، فيتحجج بعدم كفاية حصته لتسديد ديونه، ما يؤدي إلى شلل الصفقة بالكامل. وبالتالي تظهر أهمية تسوية الوضعية الضريبية للبائعين قبل الدخول في أي عملية بيع، على أساس أن الديون الضريبية تأتي في المقام الأول ويجب تسديدها قبل تقسيم أي حصيلة من البيع.
وتعتبر الإشعارات لدى الغير الحائز إحدى الأدوات القانونية التي تستخدمها إدارة الضرائب لاسترداد ديونها، عبر تجميد المعاملات المالية، ذلك أنه في حالة المبيعات العقارية تتسبب هذه الإشعارات في شل العملية برمتها، إذ لا يمكن للبائع أو الورثة التصرف في الأموال قبل تسوية الوضع الضريبي الخاص بهم، علما أنه عندما يتم إصدار حجز يصبح الموثق عاجزا عن إتمام العملية، إذ يكون في وضع صعب يحتم عليه الموازنة بين مصالح الورثة ومتطلبات المشتري، فيما يظل مقيدا بالقرارات الضريبية التي قد تستغرق شهورا، وأحيانا سنوات، لحلها.
حقل ألغام
بالنسبة إلى أصحاب المهن التوثيقية تمثل الحجوزات الضريبية وحالات الشياع وعراقيل أخرى، جميعها، حقل ألغام، يتعين على الموثق المرور عبره بحذر شديد إلى حين إتمام عملية نقل الملكية العقارية، إذ يجد نفسه مجبرا على موازنة مصالح جميع الأطراف مع التعامل مع القيود الضريبية المتزايدة، والسعي إلى الحفاظ على مصالح البائع والمشتري، خصوصا الطرف الثاني، في وقت تزايد مستوى استهداف مصالح التحصيل بالمديرية العامة للضرائب للمعاملات العقارية، من أجل استخلاص المستحقات الجبائية للمتملصين من أدائها، على اعتبار توفرها على الشروط الكافية لإنجاح مساطر التحصيل القسري.
وأوضح أحمد شكوري، موثق، أن أحد أو بعض الورثة المثقلين بالديون الضريبية يمثلون خطرا كبيرا على نجاح أي عملية لنقل الملكية العقارية، مؤكدا أن شراء الحصص من الوريث المعيق يمكن أن يشكل حلا لباقي الورثة أو حتى المشتري، علما أن اقتناء نصيب هذا الوريث يتوقف على قبوله أساسا، ما يمثل عقبة أخرى، مضيفا: “إذا استمر الوريث في التعنت يمكن اتخاذ إجراءات قضائية لإجباره على بيع العقار من خلال البيع القضائي القسري، وهو الخيار الطويل والمكلف والمحفوف بالمخاطر، إلا أنه قد يكون ضروريا في بعض الأحيان”، ومشددا على أن الموثق مطالب بالتحلي بالمرونة وحسن التدبير عند حل المشاكل الطارئة خلال عملية نقل الملكية.
وأضاف شكوري، في تصريح لهسبريس، أن الطوارئ خلال عمليات نقل الملكية العقارية مرتبطة أساسا بالحجوزات المفاجئة الصادرة عن المصالح الضريبية من خلال “الإشعارات للغير الحائز”، البارزة عند الاطلاع على رسم الملكية الخاص بالعقار موضوع البيع، موضحا أنه من الممكن التفاوض مع الإدارة الضريبية لرفع الحجوزات، أو التوصل إلى تسوية بشأن الدين، إلا أن ذلك يتطلب مهارات قوية في الوساطة، مشيرا في السياق ذاته إلى إمكانية لجوء الموثق إلى خيار آخر، في حالة الوريث الذي يعيق عملية البيع بسبب متأخرات ضريبية، يتمثل قي إمكانية تجميد حصة هذا الوريث حتى يتم حل مشكلته الضريبية، ما يسمح باستمرار الصفقة للأطراف الأخرى.
الحلول التفاوضية
تعتبر الحجوزات التي تصدرها إدارة الضرائب، خاصة “الإشعارات لدى الغير الحائز”، من بين أكبر العوائق التي تواجه المعاملات العقارية في المغرب، إذ تمثل وسيلة قوية في يد الإدارة الضريبية لتحصيل مستحقاتها، لكنها في الوقت نفسه تؤدي إلى تعطيل العديد من العمليات العقارية، خاصة عندما يتعلق الأمر بنقل ملكية عقار ضمن عملية بيع ورثة، أو عندما يكون العقار على الشياع، لتظهر أهمية الحلول التفاوضية في إضفاء المرونة على عمليات نقل الملكية العقارية وإخراجها من جمودها، وذلك عبر إقناع مصالح التحصيل الضريبي برغبة الملزم في تسوية وضعيته الجبائية؛ إذ يعتبر التفاوض حلا ناجعا في حالات الديون الضريبية التي تتجاوز قيمة نصيب الوريث، فيما يساهم تخفيض هذه الديون في تسريع إتمام عملية البيع.
وبالنسبة إلى عبر الرزاق حنين، محاسب خبير في القوانين الضريبية، فعندما تصدر الإدارة الضريبية إشعارا بالحجز لدى الغير الحائز فإن ذلك يمنع أي تصرف مالي أو قانوني في ما يتعلق بالأصول المحجوزة؛ وبالنسبة للمعاملات العقارية يعني هذا بشكل عملي تجميد عملية البيع، إذ لا يمكن إتمام الصفقة أو نقل الملكية طالما الحجز قائم، موضحا في تصريح لهسبريس أن التداعيات تهم أيضا تعطيل مصالح الأطراف المتعاقدة، خاصة عندما يكون أحد الورثة أو المالكين على الشياع مدينا للضرائب، إذ تتضرر مصالح بقية الأطراف، سواء كانوا ورثة أو مشترين محتملين، زيادة على تفاقم التكاليف، ذلك أنه مع مرور الوقت تتفاقم التكاليف المرتبطة بالصيانة والخدمات والرسوم القانونية، ما يؤثر سلبا على قيمة العقار.
وتابع حنين في السياق ذاته بأن مقتضيات المدونة العامة للضرائب ومرسوم تحصيل الديون العمومية صارمين في ما يتعلق بتحصيل المستحقات الجبائية، مؤكدا أنه بموجب الإطار التشريعي المذكور تحظى الضرائب بأولوية عالية في التحصيل، ويمنح الإدارة الضريبية صلاحيات كبيرة، بما في ذلك الحجز على ممتلكات المدينين من دون الحاجة إلى حكم قضائي مسبق، ومشددا على أن هذه الصلاحيات الواسعة تهدف إلى ضمان التحصيل الفعال للضرائب، لكنها تضعف من مرونة العمليات التجارية والعقارية، خصوصا عندما تكون الضرائب غير مسددة؛ كما أشار إلى أنه في أحيان كثيرة تحرص إدارة الضرائب وتتشدد في استخلاص دين جبائي صغير بذمة أحد البائعين، عندما يتعلق الأمر بعقار مملوك من قبل ورثة، فيما تهدر بذلك عائدات ضريبية مهمة عن الضريبة على الأرباح العقارية، ما يستدعي تغليب الحلول التفاوضية من قبل الإدارة.
المصدر: وكالات