أكدت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن المملكة بقدر ما تثمن اعتراف الدراسة الاقتصادية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) بالتقدم الكبير الذي أحرزه المغرب في السنوات الأخيرة، المنعكس في استقراره السياسي واقتصاده المرن وسياساته الاجتماعية الطموحة التي تتماشى مع رؤية الملك محمد السادس، فإنها تؤكد العمل على مواكبتها لنقاط التطوير ومقترحات العمل لتجويد الأداء في قطاعات عديدة.
جاء هذا التأكيد خلال حديث نادية فتاح العلوي ضمن أشغال ورشة نقاش رفيعة المستوى انعقدت على هامش “اختتام البرنامج القُطري الثاني” قصد تعميق مناقشة الدراسة الاقتصادية عن المملكة المغربية، المنجزة من لدن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وخبرائها.
هذا البرنامج القُطري، الذي يجري تنفيذه بتنسيق من لدن مصالح رئاسة الحكومة والذي دخل مرحلة جديدة، “طَموح ومرن” بشكل أشار إليه متدخلون خلال جلسة النقاش جمعت مسؤولين مغاربة؛ أبرزهم أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وخالد سفير، مدير عام صندوق الإيداع والتدبير، فضلا عن لمياء كمال الشاوي، مديرة مركز منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لريادة الأعمال والمقاولات الصغرى والمتوسطة والجهات والمدن.
“خطة عمل لتعزيز التشغيل”
لم تُخف وزيرة الاقتصاد والمالية في حكومة عزيز أخنوش أن دراسة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية “أقرت بأن سوق العمل لا يزال موسوما بمعدلات البطالة المرتفعة، لا سيما بين الشباب المغاربة”، متفاعلة بالقول: “نُشارك ونُسهم في أهمية التدابير التي تمت الدعوة إليها لتعزيز إدماجهم في سوق العمل”.
في هذا الإطار، كشفت المسؤولة الحكومية ذاتها بأن “الحكومة جعلت من تعزيز التشغيل أولوية استراتيجية، ويَجري وضع خارطة طريق في إطار اللجنة المشتركة بين الوزارات المعنية بالتشغيل، تحت إشراف من رئيس الحكومة”، مفيدة بأن “خارطة الطريق تحدد مخطط عمل يمتد من 5 إلى 10 سنوات، مع اتخاذ تدابير ملموسة يتم تنفيذها بدءا من قانون المالية لعام 2025 فصاعدا”.
وقالت فتاح أمام الحاضرين: “أتحدث هنا عن تدابير تهدف إلى دعم التشغيل/التوظيف في المناطق القروية، وإعادة هيكلة برامج التشغيل النشطة، ودعم المشروعات الصغيرة جدا والصغيرة وكذا متوسطة الحجم”.
“إشادة” بالإطار الماكرواقتصادي
“الإطار الماكرواقتصادي” للمغرب، الذي أقرت الدراسة باستقراره، شكل محط إشادة قوية من وزيرة الاقتصاد والمالية التي أبرزت باستفاضة خلاصات لافتة عن “انتعاش النشاط الاقتصادي”.
وتابعت فتاح شارحة: “تسلط دراسة المنظمة الضوء على الإصلاحات الرئيسية التي تم القيام بها لتشجيع الاستثمار وتعزيز الحماية الاجتماعية، مع التأكيد على ضرورة تحقيق تقارب اقتصادي أقوى لتحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد وبناء أسس الدولة الاجتماعية، كما أرادها الملك محمد السادس”.
في سياق متصل، لفتت المسؤولة الحكومية إلى أن “مناخ الأعمال” استأثر باهتمام خبراء المنظمة الذين شددوا على “إيجابية ميثاق الاستثمار، والإصلاحات المرتبطة بمناخ الأعمال وتقترح تقييم الحوافز المقدمة لاحقا، من أجل استهداف أفضل للفعل العمومي”.
“تحديات ومعيقات”
في حديثها أمام مسؤولي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أوردت نادية فتاح أن “التوصيات الرئيسية لتقرير المنظمة الدولية تتماشى مع تشخيصنا المنجَز (في وزارة الاقتصاد والمالية)”، مستدركة بالقول: “على الرغم من اختلافنا حول بعض التوصيات المتعلقة بالسياسات العمومية أو مناهج تنفيذها”.
وحسب الوزيرة، فإن الدراسة أشارت إلى “التحديات الرئيسي؛ مثل المعيقات الجغرافية والتنمية القروية”، فضلا عن “تفاقم الإجهاد المائي والتحول المستدام وتأثير الصراعات الجيوسياسية”.
واقترحت الدراسة، التي نوقشت الأربعاء أبرز مضامينها ونتائجها بحضور مسؤولين مغاربة، “عددا من التوصيات ذات الصلة بالإشكاليات والتحديات سالفة الذكر”.
في السياق وتفاعلا مع هذه المقترحات، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية: “نُقدر بحق الجهود التي بذلتها أمانة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في إعداد هذه الدراسة الأولى من نوعها. ومع ذلك، فإننا نعتقد أن بعض التحليلات والتوصيات ستستفيد من تكييفها مع سِمات خصوصيات بالسياق المغربي”.
“البيانات في خدمة اتخاذ القرار”
بخصوص توصية “إحداث جهاز إحصائي appareil statistique”، التي شدد عليها سيباستيان بارنز، رئيس شعبة في قسم الاقتصاد في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، خلال حديثه في جلسة النقاش ذاتها، تفاعلت نادية فتاح قائلة: “نُدرك أهمية وجود جهاز إحصائي قادر على جمع البيانات والمعلومات ونشرها، مما يتيح اتخاذ القرارات المناسبة ذات الصلة في الوقت المناسب. ونُؤيد التوصية الواردة في الدراسة بشأن مَركزة جمع البيانات”.
واستدركت فتاح بأن “الإطار المعمول به حاليا في المغرب، والذي بَذل بالفعل جهودا كبيرة فيما يتعلق بالبيانات الإحصائية، من المقرر أن يتم تعزيزه، لا سيما من خلال الفرص التي تتيحها التكنولوجيات الجديدة؛ من حيث الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي”.
“حكامة المقاولات العمومية” محورٌ آخر تطرقت إليه دراسة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التي طالعت هسبريس ملخصها التنفيذي. وتفاعلت المسؤولة الحكومية ذاتها مع هذه التوصية بالقول إن “المغرب اعتمد، مؤخرا، المبادئ التوجيهية الاستراتيجية السبعة للسياسة المساهماتية للدولة، في إطار إصلاح الشركات العمومية”.
وخلصت فتاح بالتذكير بمعطى دال ولافت يتمثل في “المغرب مُدرَج في التوقعات الاقتصادية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية منذ ربيع 2023. ويسرنا أن نلاحظ أن توقعات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والحكومة متماشية إلى حد كبير، خاصة من حيث النمو والتضخم؛ مما يعكس تقارب ممارسات “النمْذجة” المستخدمة والفهم الجيد للسياق الوطني من قبل اقتصاديي المنظمة”.
يشار إلى أن تنزيل البرنامج في مرحلته الثانية “يعكس إرادة الجانبين في تعزيز علاقتهما في مجالات عديدة”. كما يجدُر الذكر بأن “المغرب هو الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعلى مستوى القارة الإفريقية التي تستفيد من مثل هذا البرنامج؛ مما يعزز مكانته كشريك ديناميكي ومميز لـ ‘OCDE’ في إفريقيا”.
المصدر: وكالات