أثار انتشار مقطع فيديو يوثق تلقي كل من عبد الخالق كلاب، الباحث في التاريخ، وأحمد عصيد، الكاتب الأمازيغي المثير للجدل، لتهديدات بـ”الذبح” والتصفية الجسدية من لدن شابين يُعتقد أنهما ذوا ميولات سلفية متطرفة موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي التي عبّر روادها عن رفضهم واستنكارهم لهذه التهديدات، مطالبين النيابة العامة والسلطات الأمنية بالتدخل لوقف هذه الممارسات التي تكرس لعودة ظاهرة “شرع اليد”.
وأطلق الشابان المعنيان تهديداتها على خلفية رفضها لأفكار كل من عصيد وكلاب المتعلقة بالأصل الأمازيغي للمغاربة والرافضة لتعريب المغرب؛ وهو ما أثار حفيظة الشابين اللذين خرج أحدهما في فيديو توضيحي محاولا تبرير فعلته.. غير أن الأمر لم يحل دون مطالبة رواد منصات “السوشل ميديا” بالضرب بيد من حديد وعدم التساهل مع مثل هذه الخطابات التحريضية.
واعتبر أحمد عصيد، في منشور له على صفحته بـ”فيسبوك”، أن تفشي ظاهرة التهديد ضد الفاعلين والباحثين في العديد من المجالات يرجع إلى عوامل عديدة؛ أبرزها “الحرية المتاحة للتعبير على الأنترنيت دون شعور بالمسؤولية، والجهل والعجز عن فهم مضامين النقاش العمومي ومتابعته بدراية.. إضافة إلى العطالة والفراغ والشعور بالتهميش، وتأثير المشايخ والدعاة السلفيين الجهلة من خلال نشر أفكار ومعجم ومفردات لا تنتمي إلى عصرنا، مما يؤدي إلى شحن الشباب وتحريضهم ضد الدولة والمجتمع ومختلف مظاهر التحديث، وضد النخب الثقافية والفنية والرياضية”.
وأشار عصيد، ضمن المنشور ذاته، إلى “مسؤولية الدولة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، لجعل الشباب المغرر بهم يعودون إلى الحياة الطبيعية ويشاركون في فضاء التواصل الاجتماعي بفعالية في احترام تام لأخلاق الحوار والتبادل”.
نتاج مدرسة وإعلام
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال مصطفى القادري، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الخطاب المتطرف والعنيف الذي تبناه هؤلاء الشباب الذين هددوا بذبح الباحثين المعنيين بالأمر ما هو إلا نتاج المدرسة المغربية ونتاج الاستهلاك الأعمى للخطاب الدعائي والإعلامي المشرقي”.
وأضاف القادري أن “هذا الخطاب هو نتيجة حتمية لسياسة المدرسة المغربية التي تطغى عليها الإيديولوجيا وتجعل من العرب مركز الكون بينما تحتقر الأمازيغ والأمازيغية”، مشددا على أن “المحتويات والمناهج المدرسية، سواء في التاريخ أو الجغرافيا أو الآداب، تكرس هذه النظرة وتشجع على تبنيها من طرف رواد هذه المدرسة”.
وتابع بأن “المدرسة الوطنية لم تدربنا على التحليل النقدي للأفكار، وأن نغلب العقل على النقل، وأن لا نصبح مجرد مستهلكين؛ بل عملت على توجيه سلوكنا وأفكارنا في اتجاه منحى واحد وأوحد”، مسجلا أن “بعض الأساتذة أنفسهم يساهمون في إنتاج مثل هذه الخطابات حينما يخلعون بزة التدريس والتربية والتكوين التي هي من صميم وظيفتهم ويمارسون الإيديولوجيا ويشحنون عقول التلاميذ بأفكار لا يمكن أن تنتج إلا التطرف والإرهاب”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “الأمر يعد أيضا ثمرة تلقي المضامين الإعلامية لبعض القنوات المشرقية”. وعليه، فمن الطبيعي جدا أن يتبنى بعض الشباب المغربي المتأثر بهذه المضامين خطابا إرهابيا يدعو إلى اقتلاع رؤوس المخالفين الذين يدافعون عن أفكار المغرب وتاريخه وثقافته، على شاكلة أسلوب تنظيم داعش الإرهابي”، مضيفا أن “البعض يريد تغيير مجرى واد التاريخ، متناسين أن الوادي لا ينسى طريقه مهما طال الزمن”.
تجييش للمشاعر ومغاربة اليوم
قال محسن بن زاكور، دكتور متخصص في علم النفس الاجتماعي، إن “هذه الواقعة تنطوي، بالفعل، على خطورة كبيرة وتدق ناقوس الخطر حول ما يمكن أن يُجر إليه المغرب من صراع وتفرقة على شاكلة ما يقع في العديد من دول المشرق؛ كسوريا ولبنان، وبعض الدول القريبة أيضا على رأسها ليبيا التي تعيش صراعات ناتجة عن التطاحن القبلي ورغبة كل قبيلة في الاستئساد”.
وأوضح بن زاكور أن “المغرب نجح في تدبير وإدارة الاختلافات اللغوية والهوياتية؛ غير أن بوارد التفرقة بدأت تظهر مؤخرا، ويمكن أن تصل إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة في ظل غياب سياسة استراتيجية تشتغل على توعية وتحسيس الأجيال الجديدة التي أصبحت مهووسة بوسائل التواصل الاجتماعي وتعتبرها مصدر كل المعلومات، وفي ظل ضعف الوسائل الرسمية والمؤسساتية في هذا الإطار”.
وشدد على أن “بعض المفكرين والباحثين يساهمون، بشكل أو بآخر، في بث خطاب التفرقة وفي تجييش العواطف والمشاعر مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من آثار؛ وبالتالي فعليهم يجب أن يرجعوا إلى مفهوم تمغربيت ومفهوم الوحدة في ظل الاختلاف، لأن المغرب هو عبارة عن فسيفساء ثقافية تعد مصدر غنى وليست مصدر للتفرقة والاقتتال”.
وزاد شارحا بأن “هؤلاء الباحثين والمفكرين لا يجب أن يلجئوا إلى الأصل لأنه لا يوجد أصل في التاريخ، حيث إن الباحث حينما تعوزه الأدلة يقف بالتاريخ في المكان الذي يناسب تحيزاته الإيديولوجية”، متسائلا: “لماذا يروج هؤلاء لخطاب التفرقة (عرب/ أمازيغ)؟”، قبل أن يجيب بأنه “إذا كانت الغاية هي أجل خلق مجتمع مختلف من حيث اللغة الهوية والثقافة وموحد من حيث المصير والمستقبل، فهذا جميل؛ ولكن إذا كان بغرض تجييش العواطف لكي نصل إلى ما وصلت إليه بعض الدول فهذا مرفوض رفضا باتا”.
وبين الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي أن “هناك اليوم حقيقة اجتماعية ثابتة يكفي النظر إلى من هم مغاربة اليوم حتى نستخلصها، وليس العودة للبحث عن من هم مغاربة الأمس. وعلى هذا الأساس، فإن خطاب التطرف والإرهاب وخطاب الكراهية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد كلاهما أمر مرفوض”، مشيرا إلى أن “ضرورة أن نتقبل أن من له جرأة علمية ومعرفية من الباحثين فمن الطبيعي أن يكون له أعداء؛ لكن وكما يقول المثل المغربي: “العداوة ثابتة والصواب يكون”، أي يمكن أن نختلف ولكن هذا لا يعني أن أؤذيك في شخصك أو في عرضك”.
المصدر: وكالات