قالت بعض وسائل الإعلام الحكومية الروسية إن توغل الجيش الأوكراني في كورسك كان بمثابة فخ للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وسينتصر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نهاية المطاف، وذلك مع تزايد التكهنات حول أهداف أوكرانيا والهدف النهائي للعملية الجريئة.
وحاولت المؤسسات الإعلامية التابعة للكرملين تفسير كيف دخلت أوكرانيا روسيا بسهولة. وقالت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» في مقال رأي لها، بعد أسبوع واحد من إطلاق عملية كييف، إن القوات الروسية «تسيطر على الوضع». وفي اليوم السابق لذلك، تحدثت صحيفة «تسارغراد» المؤيدة للكرملين عن كيفية «وقوع الألوية الأوكرانية في فخ» ومواجهة خسائر فادحة.
لكن هذه الرواية تتعارض مع الروايات الأخرى، بما في ذلك ما قاله مدونون عسكريون روس، عن المكاسب الأوكرانية، في حين قال زيلينسكي، الخميس الماضي، إن قواته استولت على بلدة سودزا.
بوتين قد يستفيد على الأمد البعيد
وليس من المستغرب أن يحاول الطرفان تقديم العملية على أفضل صورة ممكنة، كل لمصلحته، لكن إذا لم يكن هناك دليل على أن القوات الأوكرانية وقعت في فخ، فإن ما ستفعله كييف بعد ذلك، وما إذا كان بوتين سيستفيد على الأمد البعيد، يبقيان أمرين غير مؤكدين.
وبدلاً من الوجود في منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا ومحاولة تعزيز وضعها الحالي المتدهور والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي، أصبحت أفضل الوحدات الأوكرانية الآن في مكان قد يكون عرضة لهجوم مضاد وتدمير فعّال من موسكو. وقال أستاذ الأعمال الدولية والاستراتيجية في جامعة كينغز في لندن، مايكل ويت: «ثمة مخاطر جراء الإفراط في توسع القوات الأوكرانية، وهناك خطر فقدان الجنود والموارد الثمينة، وقد يستخدم بوتين هذا الهجوم ذريعة لمزيد من التصعيد ضد أوكرانيا».
وسيكون بوتين قادراً على استغلال تمرير رواية الكرملين – التي دفع بها طوال الوقت حول الحرب – محلياً، ومفادها أنه تصرّف بناء على تعرض روسيا لتهديد من الغرب، حيث كانت أوكرانيا وكيلاً له ينفّذ أهدافه.
وقال ويت لمجلة «نيوزويك» الأميركية: «توجد قوتان متضاربتان تعملان هنا، إحداهما هي تعزيز الرواية القائلة إن روسيا مهددة، وهو ما يمكن أن يساعد بوتين ويعزز الدعم من خلال تأثير التجمع حول العالم».
وأضاف: «والقوة الأخرى هي أن يُلقي هذا الهجوم بظلال الشك على ما إذا كان بوتين وحكومته هم الأشخاص الملائمون للدفاع عن روسيا، وربما لن يُحدث هذا فرقاً كبيراً في كلتا الحالتين، لأنه لا توجد علامة واضحة على أن بوتين ليس مسيطراً».
التعبئة
لقد كشف عجز روسيا عن التصدي للهجوم الأوكراني حتى الآن عن نقص الاحتياطيات الدفاعية، كما أن أعداد قواتها على خط المواجهة شرق وجنوب أوكرانيا آخذة في التضاؤل، بسبب الخسائر البشرية، وقد كشف هذا عن نقص القوات الروسية.
ولكن بوتين يمكن أن يضطر إلى مزيد من التعبئة أكثر انتشاراً مما أعلن عنه في سبتمبر 2022، وفقاً لصحيفة بلومبيرغ الأميركية. ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من وزارة الدفاع الروسية أنه سيتم إجراء تعبئة جديدة بحلول نهاية العام الجاري.
وقال الباحث المشارك في مركز لندن للاقتصاد، فوك فوكسانوفيتش، لمجلة «نيوزويك»: «من المؤكد أن بوتين سيستغل هذه التعبئة العسكرية لتبديل الجنود العاملين في الخطوط الأمامية، ليتم منحهم الراحة من القتال في المعارك».
وأضاف فوكسانوفيتش أن التعبئة الجديدة ستتم الاستفادة منها لبناء الدعم في المجتمع الروسي في الأمور المتعلقة بأسباب الحرب، والقول للجمهور المحلي الروسي: «هذا هو السبب في أن حدودنا مع أوكرانيا حساسة للغاية وعرضة للخطر، لهذا لا يمكننا السماح لأوكرانيا بأن تكون جزءاً من حلف شمال الأطلسي (ناتو)».
احتياطيات أوكرانيا الشحيحة
وقال الخبير العسكري في شركة مجموعة «بلاك بيرد» العاملة في تحليل المعلومات الاستخباراتية المفتوحة المصادر، ومقرها في فنلندا، إيميل كاستيهيلمي، إن الهجوم يهدد باستنزاف احتياطيات أوكرانيا الشحيحة، حيث إنها لا تزال تعاني مشكلات في تعبئة الجنود. وأضاف لمجلة «نيوزويك»: «الاستيلاء على بضع عشرات من القرى الحدودية على حساب العديد من الأرواح والمعدات الثقيلة لن يكون بمثابة مكسب».
ويقول فوكسانوفيتش: «يبقى السؤال المثير للاهتمام المتعلق بكييف ومفاده: كيف تقوم بهجوم على روسيا في الوقت الذي تكون فيه قواتها منهكة في منطقة دونباس الأوكرانية. وحتى إذا كانت تريد الكشف عن ضعف القيادة الروسية فإن الحروب لا يمكن الانتصار فيها على أساس الإحراج السياسي الذي تُلحقه بخصمك». وأضاف: «يمكن أن ينتهي هذا الهجوم بخسارة أوكرانيا كثيراً من الموارد التي تفتقر إليها أكثر من أي شيء آخر في هذه الحرب، وهي الجنود».
ويعتقد فوكسانوفيتش أن جزءاً من أهداف أوكرانيا في هذا الهجوم هو الحصول على دعم الغرب من خلال إثبات أن كييف لا تزال لديها بعض القدرة على القتال، «وهذا مهم لأوكرانيا لأنها حذرة من نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهناك خطر يتمثل في وقف إدارة دونالد ترامب منح المساعدات لأوكرانيا».
الحرب العالمية الثانية
وفي الواقع، كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هو الذي استحضر انتصارات موسكو خلال الشهر الماضي، عندما صرح لمحطة الأخبار الأميركية «فوكس نيوز» بأنه أبلغ زيلينسكي خلال مكالمة هاتفية بأن كييف تواجه «ماكينة حرب»، فهؤلاء الروس الذين تحاربهم «هزموا هتلر ومن قبله هزموا نابليون».
وقال السفير الأميركي السابق في روسيا، جون سوليفان، إنه على الرغم من أن ترامب أغفل ذكر خسائر موسكو في حربها مع اليابان في عام 1905 «والأهم من كل ذلك خسارتها في الحرب الباردة»، فإن تعليقات ترامب ركزت على كيفية أن الكرملين لا يتراجع أمام النكسات المبكرة.
وأضاف سوليفان الذي ألف كتاباً يتحدث عن الحرب في أوكرانيا بعنوان «في منتصف الليل في موسكو»: «هذا ما فعله الروس على مدى فترة طويلة جداً، ولا ينبغي الاستهانة بهم، والأوكرانيون بالتأكيد لا يستخفّون بهم».
وقال الأستاذ في كلية إيليوت للقضايا الدولية التابعة لجامعة جورج واشنطن لمجلة «نيوزويك»: «على الرغم من أن أي مناورة عسكرية ستكون مصحوبة بمخاطر، فإن أوكرانيا واجهت خطراً أعظم بمواصلة حرب الاستنزاف مع روسيا».
وأضاف: «لم يكن هناك أي سبيل للفوز في هذه الحرب، ومن المرجح أن أوكرانيا ستواجه الهزيمة في نهاية المطاف، نظراً لقدرة روسيا على الوصول إلى مزيد من الرجال والموارد». عن «نيوزويك»
• الاستيلاء على بضع عشرات من القرى الحدودية على حساب العديد من الأرواح والمعدات الثقيلة لن يكون بمثابة مكسب. وبصورة عامة، فإن الحرب لن يتم حلها في كورسك.
• بدلاً من الوجود في منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا ومحاولة تعزيز وضعها الحالي المتدهور، أصبحت أفضل الوحدات الأوكرانية الآن في مكان قد يكون عرضة لهجوم مضاد، وتدمير فعّال من موسكو.