كشفت دراسة أكاديمية حديثة الصدور أن “التعديلات التنظيمية والدستورية مكنت من تحقيق تقدم في إدماج المرأة في عالم السياسة والتدبير العمومي، خصوصا في العالم القروي، بعد أن باتت النساء يؤثثن مكاتب المجالس بعدد من مناطق المملكة، في وقت لم يكن ذلك بالأمر الطبيعي في أوقات سابقة بعدما كان التسيير في يد الرجال فقط وكان ينظر إلى المشاركة النسائية في التسيير على أنها ترف فكري، وليس مجرد حق”.
وأوضحت الدراسة المنشورة بمجلة “الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والعلوم الإنسانية”، عدد يونيو الجاري، استنادا إلى إحصائيات صادرة عن وزارة الداخلية، أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب انتخابية في المجالس الجماعية وفقا لنتائج انتخابات شتنبر 2021، يصل إلى 8663 امرأة جرى انتخابها بعد أن كان العدد يقتصر فقط على 6669 منتخبَةً في انتخابات 2015 الجماعية، وعلى 3424 منتخَبةً في استحقاقات 2009.
الوثيقة ذاتها لفتت كذلك إلى أن “العدد الإجمالي للمترشحات للمناصب السياسية على مستوى الجماعات الترابية وصل خلال سنة 2021 إلى 470 ألفا و60 مترشحة، مقابل 28 ألفا و725 مترشحة في انتخابات سنة 2015 الجماعية، في وقت كان العدد في سنة 2009 (قبل الدستور الجديد) يصل إلى 20 ألفا و458 مترشحة”، وهي الأرقام التي يشير المصدر ذاته إلى أنها “بمثابة نقلة نوعية مسنودة بالزخم الدستوري والحقوقي بعد فشل الفاعلين السياسيين في ذلك خلال عقود خلت”.
الدراسة المعنونة بـ”المشاركة السياسية للمرأة في المجال القروي”، أبرزت أنه “على الرغم من هذا التقدم التي تعكسه الأرقام، إلا أن نسب النساء اللواتي تبوأن منصب الرئيس بالمجالس الجماعية لا تزال ضعيفة وتخضع في الأساس لمنطق التحالفات والترضيات بين المنتخبين، في حين إنه وعلى الرغم من مواظبتهن على حضور دورات المجالس، إلا أن نسبة ليست بالهينة من النساء السياسيات بهذه المؤسسات لا تزال تعيش الجمود بفعل مستواهن التعليمي والتثقيفي البسيط، بينما يتم توظيف حضورهن لاستكمال النصاب في أحيان كثيرة لا غير”.
وعادت الوثيقة الأكاديمية ذاتها لتفصل في معيقات توسيع المشاركة السياسية للنساء على المستوى الترابي؛ فبحسبها، “يرتبط الأمر بمعيقات ثقافية تتجلى في استمرار الإرث الثقافي المستم بهيمنة الذهنية الذكورية التي تجعل من السياسة حكرا على الرجال فقط، إلى جانب معيقات تأطيرية مرتبطة أساسا بضعف التأطير الحزبي وهزالة المشاركات بالعالم القروي في الأنشطة الجمعوية والسياسية والتي بلغت 5,9 في المائة سنة 2014”.
كما استعرضت بعض الملاحظات التي تم تسجيلها في مراحل العملية الانتخابية للمجالس الترابية، إذ سجلت أن “أوراق الدعاية الانتخابية عادة ما لا تتضمن صور المرشحات من النساء ويترك الإطار عادة فارغا، مما يظل تغييبا مقصودا لصورة مواطنة تقدمت لتقلد منصب عمومي، وهو ما يرتبط أساسا بتمثلات اجتماعية وثقافية لمشاركة المرأة في السياسة”، مبرزة أن “قرار النساء الناجحات يبقى رهين قرار منتخبي الدوائر التي ترشحن فيها”.
وأشار الواقفون على إعداد الدراسة، وهم أساتذة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إلى أن “الدساتير الوطنية الخمسة السابقة أقرت بضرورة المشاركة السياسية للنساء، غير أن نتائج الانتخابات لم تكن تسمح بوصولهن إلى مراكز القرار وتدبير الشأن العام بالنظر إلى أن التمثيلية التي مُنحت لهن لا تعكس نسبتهن من الساكنة الوطنية، قبل أن تحدث نقلة نوعية في الفترة الموالية لدستور 2011”.
وأوصى هؤلاء الأساتذة بـ”تجاوز المعالجة المناسباتية لمشكلة ضعف المشاركة في صفوف النساء من خلال نهج سياسة عمومية تضمن التقائية مساهمات مختلف القطاعات الوزارية ذات الاختصاص، والتطبيق العملي لمبدأ المناصفة التمثيلية ضمن الأجهزة التقريرية للأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات المهنية”، خالصين إلى أن “التغيير يتطلب الانتقال من منطق التمييز الإيجابي إلى منطق التمكين في إطار المساواة في الحقوق السياسية، بما يمكن من القطع مع الممارسات التي تجعل المشاركة النسائية في المجال القروي تتم في عباءة ذكورية”.
المصدر: وكالات