أيام قليلة تفصل المغاربة والعالم الإسلامي عن شعيرة النحر التي تحتل مكانة اعتبارية خاصة داخل الوعي المغربي. الأيام التي تسبق العيد تدفع إلى رواج “أشكال سنوية” من المعاملات، متجددة باستمرار مع اقتراب الأعياد الدينية، خاصّة “العيد الكبير”، وهي الاستناد إلى “الكاش” في المعاملات التبادليّة، الذي يربك بعض الشبابيك الأوتوماتيكية للأبناك نتيجة نفاد مخزونها، الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة حول تأثير النقد.
المعاملات النقدية المباشرة التي تستدعيها عملية اقتناء الأضحية في شقّها الأكبر، بالإضافة إلى المهن الموسمية غير المهيكلة التي “لا تتوفر على أيّ تأهيل” لتلقي دفوعات عبر البطائق البنكية أو تحويلات رقمية، تحدث نقاشا دائما بخصوص “حاجة الأبناك إلى السيولة وما ينذر به خروج كميات عالية من النقد من رفع موجة التضخم؛ فيما تبدو من جهة أخرى تعاملات لها “وجه إيجابي” يخلق حركية داخل الاقتصاد الوطني وينقل الأموال من “المدينة نحو البادية”.
“مفعول إيجابي”
ياسين اعليا، باحث في النظم الاقتصادية والمالية، سجل أن هذه الفترة تعرف إقبالاً كبيراً على إخراج الأموال من الأبناك في شكل سيولة نقدية أو ما يعرف بـ”الكاش”، مبرزاً أنها “عملية معروفة ومتوقعة كل عيد أضحى، فهو مناسبة اعتادت الأبناك المغربية فيها على حدوث مشكل كبير في السيولة البنكية، لاسيما أن نسبة الاستبناك ضعيفة مقارنة مع دول أخرى”.
اعليا، في قراءات قدمها لهسبريس، لفت إلى “تدخل بنك المغرب من خلال وضعه هذه الظرفية في قلب التوقعات وتخصيص دفوعات للأبناك، لاسيما أن هذه السنة مختلفة، بالنظر إلى أنها تعرف تواصل تفاقم إشكالية ‘الكاش’، التي بدأت مع فترة الجائحة وما بعدها”، وأضاف: “في السنوات الأخيرة صار البنك المركزي يتحدث عن وجود نسبة عالية من السيولة خارج الأبناك، وبالتالي انتعاش النقد داخل المنظومة الاقتصادية المغربية بشكل غير سليم”.
لكن المتحدث عاد ليبرز “الوجه الإيجابيّ” الذي تمثله ظرفية عيد الأضحى للنقد، لكون مفعوله هذه المرة “مفيدا للاقتصاد الوطني”، فهو “يعبر عن نشاط اقتصادي يقدره الخبراء بنحو 10 مليارات درهم تروج في هذه الفترة كرقم معاملات”، وزاد: “هذا رقم جد مهم، وهو مؤشر يبرز أنه حتى وإن أدى الأمر إلى نقصان السيولة البنكية فهو بالتأكيد يصاحبه زخم اقتصادي ملموس تستفيد منه مجموعة من الفئات، خاصة الفلاحين و’الكسابة’”.
وشدد الباحث في الاقتصاد والأنظمة المالية على أن رواج “الكاش” مكسب للاقتصاد الوطني المغربي خلال الفترة القادمة، “لكونه سيشكل مداخيل جديدة لمجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي تعرف إقبالا عاليا نظرا لارتباطها بالعيد الكبير”، مشيرا أيضا إلى أن “الحصيلة ستكون خفض مستويات الاستهلاك الذاتية لهذه الفئات، وتحريك الطلب الداخلي خلال هذه الفترة، وفي النهاية سنكون أمام حركة تجارية جد لافتة كلمتها المفتاحية هي ‘الكاش’”.
“هجرة 1000 مليار”
عمر الكتاني، جامعي وباحث في الاقتصاد والتوازنات المالية، لفت من جهته مثل اعليا إلى أن “السيولة النقدية خلال فترة العيد هي عملية ذات منفعة وعادلة، فهي تنقل نحو 1000 مليار سنتيم من المدينة، حيث يوجد ما تبقى من الطبقة المتوسطة، نحو البوادي والمداشر، حيث تعيش الطبقة الهشة من ‘كسابة’ وفلاحين”، معتبرا أن “النسبة الكبرى من الأضاحي مغربية، وبالتالي فالأمر مجرد استهلاك للمنتج الوطني”.
وعدّ الكتاني في حديث إلى هسبريس الأمر “مفيدا” بالنسبة للتوازنات الاقتصادية الكبرى للدولة، “لأن مناطق من الاقتصاد ستنتعش بهذا ‘الكاش’، لاسيما أن التعاملات المرتبطة بعيد الأضحى مازالت مرتبطة في جزئها الأكبر بالتبادلات التقليدية بلا أيّ حاجة للدفع بالبطائق البنكية كما هو معمول به مثلا في المساحات الكبرى؛ والأساسي أن هذا النقد سيظل بالمغرب ولن يخرج من البلد”.
وتفاعلا مع سؤال عن التأثير الذي يمكن أن يخلقه إخراج ملايين الدراهم من الأبناك، طبعا من طرف من يتوفرون على حسابات بنكية، شدد المتحدث ذاته على أن “الأبناك بالمغرب لها احتياطات وسيولة كافية، وأرباحها عالية إلى درجة أن الدولة تقترض منها حين تشهد خصاصا في السيولة”، مؤكدا أن “النظام البنكي بالمغرب قوي وناجح في ربحيته ومعاييره مطابقة لتلك الدولية التي تعتمد على الضمانات والاحتياطات”.
وأورد المحلل نفسه أنه “بالنظر إلى هذه المعطيات فلن تكون هناك مشكلة عملية بالنسبة للمؤسسات البنكية في هذه الفترة، لاسيما أننا نعرف أن نسبة كبيرة من الأسر لن تقتني الأضحية هذه السنة، ومن المرجح كذلك أن كلفة الرأس الواحد ستنخفض بالنظر إلى ما لاحظناه بخصوص التباين بين العرض والطلب، إذ يبدو الأخير متدنيا هذه السنة”.
المصدر: وكالات