«مية الزير أحلى من الكولدير» تلك العبارة التي تنعش صناعة «الزير» في قرية النزلة بمحافظة الفيوم، إذ تحرص آلاف الأسر في القرى الريفية خصوصا بصعيد مصر وأكثرها بني سويف والمنيا، على شرائه خلال الصيف للارتواء من مياهه العذبة التي تم تنقيتها بفعل الطمي المصنوع منه الزير، فيما يتسابق عشرات صُنّاع الفخار على صناعة أكبر كمية منه لتلبية الاحتياجات.
40 عاماً قضاها عم حمدي في تحويل الطين إلى زير و«بوكلة»، يقضي وقته منذ شروق الشمس وحتى غروبها في أحضان الطين ليحوله إلى زير بمختلف الأحجام، منه الكبير والصغير، ويضعها في صفوف أمام ورشته لتجف بفعل حرارة الشمس تمهيداً لحرقها في الأفران قبل أن يتم بيعه للتجار الذين ينقلونه إلى مختلف القرى في محافظات الصعيد.
زيادة الطلب على شراء الزير
يحكي «حمدي» أنّ الطلب على شراء الزير ازداد كثيرا بحلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، وهو بمثابة «الكولدير» في المنازل منذ أيام الفراعنة، إذ تعتمد الأسر المصرية على ملئه بالمياه النقية، ليزيد من تنقيتها وتحليتها، ويرتوي منه أفراد الأسرة طوال النهار.
صناعة الزير متوارثة منذ 200 عام
وورث حمدي محمد، 63 عاما، حرفة صناعة الزير وأشكال أخرى متعددة من الأواني الفخارية الضخمة أبا عن جد، إذ عُرفت قريته النزلة بمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، بصناعة الفخار وخصوصا الزير منذ أكثر من 200 عام، وهناك من يؤكد أنّها ممتدة في القرية منذ عصر الفراعنة، إذ إنّهم يصنعون نفس الأواني الفخارية التي وُجدت في المعابد والمقابر الفرعونية بنفس طريقة تصنيعها في عهد الفراعنة.
«البوسطجي» سبب شهرة القرية
ويروي «حمدي» أنّه عشق صناعة الزير منذ نعومة أظافره، إذ فتح عينيه ليجد والده وجده يعملان بها، وكانا يصطحبانه معهما ليلهو في الطين بجوارهما، كما أنّه حضر تصوير فيلم «البوسطجي» حينما كان في السابعة من عمره، كما حضر تصوير كليب بنت أكابر للفنانة أصالة والذي تم تصويره قبل سنوات قليلة أمام باب ورشته ووسط الزير والأواني الفخارية التي صنعها بيديه، موضحا أنّه يفتخر برواية تلك الأشياء لأحفاده ولا يمل من روايتها.
أشكال متنوعة من الأواني الفخارية
وذكر أنّه يصنع أشكالاً كثيرة من الأواني الفخارية الكبرى أهمها الزير، يليه الكانون والبوكلة والمنقد والدفاية، مشيرا إلى أنّ الطلب يزداد على الزير في الصيف، إذ يحرص الكثيرون على اقتنائه رافعين شعار: «مية الزير أحلى من الكولدير»، لذلك فهو يصنع منه 10 قطع يوميا، ورغم المجهود الكبير لكنه يعشق عمله إذ يعتبره فناً وهواية أكثر منه مصدر رزق.
«حمدي» يقضي يومه بين الطين والفخار
وأشار إلى أنّه عشق صناعة الزير منذ طفولته، وترك مدرسته واحترف العمل به وهو في سن الـ18، وظل يعمل فيه طيلة 45 عامًا وأكثر، وما يزال يعمل بها، إذ يستيقظ من نومه ويأتي للعمل ويظل به طوال النهار مهما كانت حالة الجو، سواء حرارة شديدة أم برودة أو حتى أمطار غزيرة.
فن على زقزقة العصافير
وعلى بعد 5 أمتار يجلس الشاب الثلاثيني علاء خشبة، يرافقه أبناؤه الأربعة، ينظر إلى مياه المصرف الجارية أمامه ويستمع إلى زقزقة العصافير، وحفيف أوراق الأشجار الضخمة أمامه، بينما يغلي الشاي بجواره على المنقد الذي صنعه بيديه، ليتقن عمله في تصنيع الزير في أجواء مبهجة، تاركا أبناءه يلهون بالطين الذي صنعه ليحوّله إلى زير.
وأشار «علاء» إلى أنّ حاله مثل الباقين، فقد توارث تلك المهنة أباً عن جد، ولكنه عشقها ورفض أن يسافر للقاهرة للعمل في أي حرفة أخرى كما فعل معظم شباب القرية، موضحاً أنّ الإقبال على شراء الزير يكون أكثر طوال الصيف، بينما يزداد الإقبال على شراء المدفأة والكانون والمنقد في الشتاء، إذ ينتعش تصديرها لعدة دول أوروبية.