تبنت بنوك منخرطة في تمويل برنامج دعم المقاولات الصغرى وحاملي المشاريع “انطلاقة” شروطا جديدة في معالجة طلبات الحصول على القروض الواردة عليها، أهمها إقصاء التعاونيات من بين الزبائن المستهدفين بالتمويل، بالنظر إلى ارتفاع هامش المخاطر المرتبط بهذه الفئة، وارتباطها ببرامج تمويلية عمومية أخرى، خصوصا في ظل مخطط “الجيل الأخضر”.
ولجأت البنوك إلى مراجعة شروطها، بعد تنامي حجم القروض معلقة الأداء بذمة مستفيدين من تمويلات “انطلاقة” خلال السنوات الثلاث الماضية، وارتباط الحصول عليها بمجموعة من الاختلالات التدبيرية التي ورطت بنكيين في قضايا بالمحاكم، بسبب شبهات ارتشاء والتلاعب في تدبير ملفات اقتراض، والتأشير على صحة فواتير مزورة، والقفز على إجراءات احتراز ومراقبة لمشاريع ممولة.
وبلغت نسبة رفض منح القروض في إطار برنامج “انطلاقة” نسبة 40 في المائة، وفقا لتصريحات عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، خلال آخر اجتماع للمجلس الإداري للبنك المركزي، حيث كشف تجاوز قيمة القروض الممنوحة ضمن البرنامج المذكور سقف 8 مليارات درهم (800 مليار سنتيم)، مشيرا إلى تعزيز التدابير المصاحبة للتمويل، ومضاعفة قيمة التمويلات إلى 200 مليون درهم.
شروط جديدة
كشفت مصادر مهنية اعتماد شروط جديدة من قبل البنوك عند معالجة ملفات طلبات الحصول على تمويلات برنامج “انطلاقة”، تجاوزت إقصاء التعاونيات بسبب المخاطر إلى تقليص قيمة القروض إلى 150 ألف درهم (15 مليون سنتيم) بالنسبة إلى المقاولات، وإلى 100 ألف درهم لفائدة الأشخاص الماديين والمقاولين الذاتيين، فيما تشددت المؤسسات الائتمانية بشأن ضرورة الإدلاء بشهادات الخبرة، ودراسة حقيقية لجدوى المشروع، وكذا فواتير صادرة عن مقاولات يتجاوز عمر تأسيسها سنة على الأقل.
وبهذا الخصوص، أوضح سليم شهابي، مستشار مالي وبنكي، أن مجموعة من مكاتب المحاسبة حققت أرباحا مهمة خلال الفترة الماضية بارتباط مع الرواج الذي أحدثه برنامج التمويل “انطلاقة”، وذلك من خلال خدمات إحداث وتأسيس المقاولات ودراسات الجدوى، مؤكدا أن الفترة الماضية عرفت أيضا استنساخ الدراسات وترويج الفواتير المزورة الصادرة عن مقاولات غير نشطة ووحدات متخصصة في إنتاج هذا النوع من الوثائق الذي استغل في الحصول على تمويلات مهمة خلال بداية انطلاق البرنامج المذكور.
وأضاف شهابي، في تصريح لهسبريس، أن الشروط الجديد يمكن ربطها باستراتيجية لمراجعة المخاطر الائتمانية بناء على تطور مستوى القروض معلقة الأداء بذمة مستفيدين عجزوا عن سداد أقساط القروض بعد فترة قصيرة من حصولهم على مبالغ التمويل، مشددا على أن المسؤولين البنكيين جرى تضليل أغلبهم من خلال دراسات بنمط تحليل موحد وفواتير غير حقيقية، حيث تحكمت هذه العوامل بشكل مباشر في اتخاذ قرارات بالموافقة على تمويل ملفات على مستوى اللجان الائتمانية الإقليمية الخاصة ببحث ومعالجة طلبات القروض.
اختلالات هيكلية
ما زالت التحقيقات جارية من قبل قضاة المجلس الأعلى للحسابات حول اختلالات برنامج تمويل المقاولات الصغرى وحاملي المشاريع “انطلاقة”، وذلك بتكليف من البرلمان، حيث ربط قضاة المجلس الاتصال ببنك المغرب وتمثيليات مهنية، على رأسها الاتحاد العام لمقاولات المغرب، لغاية استيضاح مختلف الخروقات التي شابت تدبير هذا البرنامج وتسببت في ارتفاع حجم القروض معلقة الأداء بذمة مستفيدين، أكانوا مقاولات أو أشخاصا ماديين.
وبالنسبة إلى رشيد قصور، خبير اقتصادي، فإن تنامي حجم القروض معلقة الأداء بذمة مستفيدين من برنامج “انطلاقة”، من شأنه أن يفاقم مشكل الثقة في البرامج الحكومية والمؤسسات الائتمانية، علما أن هذا المؤشر يمثل عاملا أساسيا في نجاح أي مبادرة اقتصادية، مشددا على أن ضعف الثقة جراء وجود اختلالات مستمرة في برامج التمويل، يؤدي إلى التشكيك في قدرة الحكومة والبنوك على دعم رواد الأعمال، ويقلل من عدد الأشخاص المستعدين لبدء مشاريع جديدة.
وأكد قصور أن مراجعة إجراءات وشروط تمويل برنامج “انطلاقة” تعاكس التوجهات الخاصة بتحفيز دعم المقاولات الصغرى وحاملي المشاريع، موضحا أن البنوك مطالبة بتبسيط الإجراءات الإدارية المطلوبة للحصول على التمويل، وتعزيز الشفافية في عملية توزيع التمويل لضمان العدالة وتجنب أي اختلالات مرافقة، وكذا توفير دعم متكامل لطالبي التمويل، يشمل التوجيه والإرشاد، لضمان استدامة المشاريع، مع إجراء تقييمات دورية لفعالية البرنامج وتحديد مواطن الضعف التي تحتاج إلى تحسين.
المصدر: وكالات