في مشهد اختلطت فيه مساعي تقريب الكِتاب من قرائه بضرورات استتباب الأمن، وضمان السير السليم لفعاليات حدث دولي ذي نفحة أدبية وثقافية، غصت أمس السبت فضاءات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته التاسعة والعشرين التي تحتضنها مدينة الرباط بالمئات من الزوار الذين جاؤوا للقاء بكاتب سعودي يُدعى أسامة المُسلم.
ونتيجة للاكتظاظ الحاصل ضمن الفضاء تحول الأمر من مجرد محاولة اللقاء بالكاتب المذكور إلى ازدحام شديد تطلب تدخل العناصر الأمنية لإعادة الأمور إلى نصابها، ومن ثم تدخلُ إدارة المعرض لتوقيف حفل التوقيع، ما ظل خلال أمس الحدث الأبرز الذي شهده المعرض، طاغيا على ندوات ولقاءات أدبية وثقافية كانت تُجرى في التوقيت نفسه.
كما طغى الموضوع على النقاش ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جرى التداول بين الرواد حوله وما إن كان فعلا سويا يعبر عن تعطش القراء المغاربة إلى فعل القراءة، وحرصهم على الاقتراب من كتابهم المفضلين، أم إن الأمر يتعلق فقط بتأثر الشريحة الشبابية بفعل تسويقي قام به الكاتب سالف الذكر على مستوى الشبكات الرقمية قبل حلوله بفضاءات المعرض.
وطالعت هسبريس عددا من المنشورات، خصوصا على مستوى موقع “فايسبوك”، تطرقت للموضوع، متضمنة رأيا يخص الحادثة، حيث قال أحد المعلقين: ” أمر يدعو إلى الاستغراب ويدعو المحللين والمفكرين إلى دراسة هذه الظاهرة…طوابير من المغاربة حلوا بالمعرض باكرا لاقتناء كتب الرجل ومقابلته، فماذا وجدوا في مؤلفاته ولم يجدوها في مؤلفات المغاربة، وهي فقط كتابات عن الخيال”.
في المقابل رحب فصيل آخر من النشطاء بحجم الإقبال على الكاتب السعودي المذكور، معتبرا أن “الأمر يتعلق بنجاح أسامة المسلم في التسويق لأعماله الأدبية ذات البعد الفنتازي، واستطاعته جذب عدد كبير من الفئات الشابة، خصوصا التي تميل إلى مطالعة الروايات”.
الخيال يجذب القراء
عتيقة هاشمي، عضو المكتب الوطني لشبكة القراءة بالمغرب، رئيسة فرع الرباط، قالت إن “ما حدث يمكن قراءته من جانبين؛ الأول يتعلق بالبحث المستمر للقراء الشباب عن المؤلفات التي لها علاقة بما هو عجائبي وخيالي، حيث يجدون راحتهم كثيرا، في حين أن الجانب الثاني يتعلق بتمكن الكاتب من التسويق لنفسه ولأعماله انطلاقا من مواقع التواصل الاجتماعي، واستهداف القراء الشباب تحديدا”.
وأوضحت هاشمي، في تصريح لهسبريس، أن “الأهم في هذا الصدد هو ضرورة دفع مثل هؤلاء القراء إلى ترشيد فعلهم القرائي عبر الانفتاح على أجناس أدبية أخرى لها وزنها وقيمتها الفكرية والمعرفية المضافة، بدل الاقتصار على جنس بعينه، إذ يظلون مطالبين بالتوجه نحو قراءات مفيدة ومساعدة في بناء وعيهم وشخصيتهم؛ الأمر الذي يؤكد عليه البرنامج الوطني للقراءة الذي يلزم القراء بتقديم كتب متنوعة ومختلفة”.
وبيّنت المتحدثة أن “الكاتب بدوره نصّب نفسه مختصا في تيمات فكرية لها علاقة أساسا بالعالم السحري، وهي تيمات تثير فضول عدد من القراء الشباب التواقين إلى القراءة حول العوالم السفلى وعوالم السحر والجن؛ الأمر الذي يبرز وجود هشاشة لدى القراء الذين يقبلون على مثل هذه الأجناس، في وقت تظهر أهمية تنويع القراءات والانفتاح على مختلف الأصناف، خصوصا النقدية، إلى جانب الانفتاح على أدب مغربي يظل قائم الذات وروايات عالمية من الطراز الرفيع”.
نجاح في التسويق
منتصر حمادة، كاتب وباحث مغربي، أفاد بأنه “رغم كل المؤاخذات والانتقادات التي تم التعبير عنها في هذا الصدد إلا أن ما جرى بالمعرض يمكن أن ننظر إليه من زاوية ثانية، تتعلق بتزامنه مع تراجع مستويات القراءة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بعد الانتشار المكثف للمحتويات السمعية البصرية التي تظل في جزء منها سلبية وغير لائقة بخصوص الناشئة”.
وأضاف حمادة، في تصريح لهسبريس، أن “المؤلّف السعودي نجح بالفعل في استقطاب عدد من الشباب المغاربة، خصوصا في فئة المراهقين، مع تفوق واضح للعنصر النسوي في هذا الإطار”، معتبرا أن “ما حدث يطرح العديد من الأسئلة التي تتعلق بمجالات النشر والتسويق والتأليف بالمغرب، وتتطلب الكثير من التفكير والتأمل، شريطة التسلح بالنقد والمكاشفة؛ فهي أسئلة إن حسمنا فيها يمكن أن نشرع آنذاك في البحث عن أجوبة لها”.
وتابع المتحدث ذاته: “ربما يرقى الأمر إلى درجة سابقة في تاريخ المعرض الدولي للكتاب الذي ينظمه المعرض للمرة 29، إذ لم يكن ثمة إقبال بهذا الحجم على كاتب بعينه، خصوصا إن كان أجنبيا، مثلما حدث في هذه الدورة؛ فكمؤلفين ومواظبين على حضور فعاليات المعرض لم يسبق لنا أن عاينا هكذا ظاهرة، وهو حدث مهم في ظل ما وصلنا إليه بفعل تراجع منسوب القراءة”.
المصدر: وكالات