بمشاركة كتاب وجامعيين ومهتمين بكتابة طنجة وتاريخها احتضنت قاعة اللقاءات بالمفوضية الأمريكية بطنجة، الخميس الماضي، حوارا بين المفكر والروائي المغربي-الأمريكي أنوار مجيد والروائي وكاتب السير عبد العزيز جدير.
ويهدف اللقاء إلى تقديم كتاب “في مهب السؤال والمعرفة، سيرة روائية لأنوار مجيد”، من توقيع عبد العزيز جدير.
واتخذ الموعد الثقافي من إعادة كتابة طنجة، أي كتابة المغاربة طنجة وتحريرها من الكتابة الأجنبية، خاصة منها الأمريكية والفرنسية والإسبانية، محورا أساسيا.
اعتماد بوزيان رحبت في كلمة افتتاحية ألقتها نيابة عن مديرة المفوضية جنيفر راساميمانانا، بالحضور، مؤكدة على دور هذه اللقاءات في إغناء النقاش حول طنجة وبعدها الوطني وحضورها الدولي وعمقها التاريخي.
محمد اليملاحي الوزاني، العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، قال إن كل قضية أو محور يتطلب ندوة خاصة، على اعتبار أن لهذه المحاور الحضور الطاغي لطنجة في الآداب والفنون.
وأضاف اليملاحي: “لقد اعتبرت المدينة السحر ذاته؛ لأنها ولدت من زواج السحر والأسطورة، واحتلتها إمبراطوريات عديدة ثم خسرتها، واعتبرها الكاتب الأمريكي مارك توين ثاني أقدم مدينة في العالم”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “طنجة لعبت دورا كبيرا في تطور فن الرسم العالمي بشهادة ماتيس ودولاكروا، بسبب الضوء الخاص الذي تتمتع به (على غرار ورزازات)؛ كما عاشت تحت الحكم الدولي لثماني دول منذ (1924) إلى سنة (1956)”، متسائلا: “هل تعتبر هذه المرحلة جزءا من تمتع المواطن الطنجي/المغربي بالحرية والشعور بالهوية؟”، وزاد: “كانت الفترة في الحقيقة استعمارا متعدد الألوان، ولذلك لا يمكن للمغربي أن يفتخر بأن طنجة كانت مدينة دولية: لمصلحة من؟ الأجانب”.
كما تم التأكيد على أن الزمن هو الماضي والمستقبل، وأن الحاضر لحظة قصيرة، وسط نقاش لم يخل من جدل: هل الماضي أهم من الحاضر ويجب تمجيده باستمرار؟ ليخلص إلى أن الحاضر أكثر مجدا، فالمغاربة يحكمون أنفسهم بأنفسهم، رغم وجود فاسدين، إذ يشعر المواطن بالزهو لأن المدينة نفسها عرفت تغييرات هي بمثابة ثورات في مجالات مختلفة لا يمكن إنكارها، والمستقبل يعد بالأروع كما هو بعض الحاضر.
كما أثار اللقاء إمكانية تحرير الأدباء المغاربة طنجة من كتابات الكتاب الأجانب، على غرار بعض كتابات عبد الله العروي في التاريخ، وشكري في الأدب. كما سعت رواية “السي يوسف” و”فرصة ثانية في طنجة” إلى السير في هذا السبيل؛ كتابة رواية مغربية عن طنجة.
من جانبه أكد الروائي أنوار مجيد أن “ريح الشرقي يطبع الناس، ولذلك يصعب العثور على طنجي ظل يتمتع بكامل قواه العقلية بعد أن تجاوز الخمسين من عمره”، موردا: “العيش في طنجة وفي المغرب أعز ما يشتهى”، وموقعا بداية عودته إلى بلده لقضاء ما بقي من العمر.
وأشار الأديب ذاته إلى أن روايته “فرصة ثانية في طنجة” وكتاب سيرته “في مهب السؤال والمعرفة” يشيران معا إلى هذه العودة، وزاد: “تأملتها وفكرت فيها وأقدم عليها بفرح، رغم نهيي عن ذلك من قبل عدد من الأصدقاء”.
وأوضح المتحدث أن “أمريكا بلد يهيمن على العالم، وبلد التقدم والتكنولوجيا، لكن العيش فيه عبء صعب يفقد الأعصاب رزانتها وتحملها”، مستحضرا “قتل الأمريكيين أربعة رؤساء على امتداد تاريخهم القصير”، وواصل: “إنه بلد يصعب عليه لأسباب سياسية واقتصادية خاصة أن يقضي على العنصرية”؛ مع الإشارة إلى الروائي شيستر هايمز الذي قال “هي بلد تبحث فيه المرأة البيضاء عن المتعة ويبحث المواطن الزنجي عن الاعتراف الإثني”.
وشغل اللقاء موضوع: ما الذي يجمع بين الأمريكيين؟ فالبلد شاسع يمكن أن يشكل قارة؛ قيل يجمع بينهم التلفزيون، وقيل الدولار، كما قال بول بولز ذات مرة. كما أن أمريكا كسرت مفهوم الغنى والثراء، مع إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وبيل غيتس وغيرهم، فرغم أن هؤلاء لم يحصلوا على تعليم جامعي عميق أو أكملوا دراستهم فقد أصبحوا يتحكمون في العالم عبر “السيليكون فالي”.
وأورد المتحدث ذاته أن علاقة المغرب بأمريكا جيدة، بحكم بعد نظر الملكية في المغرب، موردا: “لا يمكن أن نستسهل كون المغرب أول بلد اعترف بأمريكا، وهو البعيد عنها”، ومعتبرا الأمر “ناتجا عن حنكة وحكمة”؛ كما أشار إلى نص مقالة في الكتاب موضوع اللقاء، حيث بين خصوصية الدولة في المغرب، مؤكدا أنّ “الملكية هي كنز المغرب؛ هي التي تحمي البلد، والمواطن يحميها”.
وفي معرض حديثه جوابا عن سؤال قال أنوار مجيد إن “هذا الكتاب هو ثمرة عشر سنوات من الحوار المستمر مع الكاتب”، مردفا: “أثمر هذا الحوار بيننا وشراسة تحريض عبد العزيز لي على الكتابة أن كتبت روايتي الثانية ‘فرصة ثانية في طنجة’، التي عرضت فيها لبعض ما عرضنا له الآن في موضوعي طنجة وأمريكا؛ وهما الفضاءان اللذان التهما العمر كله”.
وعن سؤال: هل يمكن لسيرة كاتب أن تفيد في الاقتراب من تاريخ طنجة وإعادة الاعتبار إليها؟ أجاب المتحدث ذاته بأن “الكتاب يعرض لتاريخ طنجة منذ النشأة في حضن الأسطورة ثم الانتقال إلى تاريخها الفعلي من مركز تجاري لعدد من الدول الرومان، والوندال… إلى دخول الإسلام إليها والاحتلال الإنجليزي والإسباني والدولي، فمرحلة الاستقلال، والحقبة المرتبطة بمرحلة دراسة مجيد (الابتدائية، والإعدادية والثانوية)، ثم الانتقال إلى فاس قصد الحصول على الإجازة في اللغة الإنجليزية”.
كما عرض كتاب “في مهب السؤال والمعرفة” للانتقال إلى نيويورك لدراسة السينما والإخراج بمدرسة الفنون المشهدية، وعرج على تاريخ السينما الأمريكية واللقاء بالمخرجين وكتاب السيناريو؛ ثم غير الكتاب الاتجاه مع تغيير الطالب الشعبة نحو الدراسات الأدبية والنقدية، والاهتمام بالدراسات الإسلامية وتاريخ الإسلام، والعناية بالفكر النقدي.
“ويعالج الكتاب انخراط الطالب في القراءة العميقة والمتنوعة، وتلك مرحلة التكوين، ثم كتابة رسالة عن وليام فولكنر، ودكتوراه عن گرانفيل هيكس، ومن محاورها: هل يمكن أن يفلح النظام الاشتراكي في أمريكا (بلد الرأسمالية)؟ وهو يقابل موضوعا آخر يهم بلدنا: هل يمكن أن تفلح الاشتراكية في بلد إسلامي؟ وقد نقلت معي هذا السؤال الكبير من مدينة فاس، وصراع الطلبة الإسلاميين والاشتراكيين”، يورد المتحدث ذاته.
المصدر: وكالات