ردود فعل متطابقة تلك التي خلفها إعلان الحكومة، بداية الأسبوع الماضي، توصلها إلى اتفاق مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، إلى جانب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، يقضي بزيادة ألف درهم في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الذين لم يستفيدوا بعد من مراجعة أجورهم، ستصرف على قسطين.
وبين الإشادة بحجم الزيادة والمطالبة بالمزيد صبّ نقاش آخر في اتجاه إثارة موضوع المنابع أو المصادر المالية التي ستعتمدها الحكومة لتوفير السيولة التي يحتاج إليها تنزيل نصوص المحضر الموقع عليه، في ظل انخراط الدولة في أوراش تنموية أخرى، بما فيها ورش إعادة البناء والحماية الاجتماعية والدعم المباشر، إلى جانب الاستعدادات لاحتضان تظاهرات عالمية خلال السنوات الست المقبلة.
وأمام ما يتطلبه تمويل هذه العملية من مبالغ مالية مهمة موازاة مع كثرة الأوراش الجاري تنزيلها، مقارنة مع استمرار تأثر بعض القطاعات الاقتصادية من تداعيات الموجة التضخمية العالمية وتوقعات استقرار نسب النمو عند 3,1 سنة 2024 و3,3 سنة 2025، لم تكن القراءات لتخرج عن افتراض اللجوء إلى الاستدانة من المؤسسات المانحة الدولية أو اللجوء إلى تمويلات مبتكرة تتناسب مع وضعية الاقتصاد الوطني.
تفاعلا مع الموضوع قال ياسين اعليا، مختص في الشأن الاقتصادي، إن “الالتزام الحالي يأتي بعد التزامين سابقين للحكومة مع فئات مهنية لم يتم إدراجهما ضمن قانون المالية لسنة 2024، ليكون بذلك من شأن هذا الاتفاق الجديد إثقال كاهل ميزانية التسيير، في ظل وجود صعوبة أساسا في توفير الموارد المالية اللازمة والاعتماد بدرجة أكبر على العوائد الضريبية التي تشكل حوالي 90 في المائة من المداخيل”.
وأبرز اعليا، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الاتفاق يثير تساؤلات حول إمكانية اللجوء مجددا إلى الاقتراض وفتح الخطوط الائتمانية الدولية والاستفادة من الوضعية المريحة نسبيا للاقتصاد المغرب وتنقيطه لدى مؤسسات الائتمان الدولي”، مسجلا أن “المغرب يظل في الفترة المقبلة على موعد مع تحقيق عدد من الرهانات، خصوصا في ما يتصل بالحماية الاجتماعية التي تتطلب لوحدها حوالي 26 مليار درهم في ظرف سنة واحدة، فضلا عن الاستعداد لاستضافة كأس العالم”.
وأورد المتحدث ذاته أن “كل هذه الالتزامات بإمكانها تشكيل ضغط على ميزانية الدولة، بينما نلاحظ عدم وجود أي إشارات إلى حدود الساعة حول التوجهات العامة للاتفاق الجديد من قبل المسؤولين الحكوميين المكلفين بأمور الاقتصاد والميزانية؛ بينما الإصلاح الضريبي والضغط الضريبي على الشركات ليسا كافيين لتأمين الاحتياجات المالية، وهو ما يعزز فرضيات اللجوء إلى الاقتراض الذي ظل الحل الأسهل والممكن لدى مختلف الحكومات المغربية”.
من جهته قال بدر الزاهر الأزرق، خبير اقتصادي، إن “الحكومة كانت واضحة في كيفيات تفعيل هذه الزيادات التي تأتي في ظرفية مناسبة، خصوصا أننا نتحدث عن ترميم القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة بعد سنوات من الأزمات المتلاحقة، خصوصا أزمة كوفيد19 والموجة التضخمية الأخيرة؛ ليكون من شأن هذه الزيادات التخفيف من آثار هذه الأزمات، ما سيكون له انعكاس إيجابي على الطلب الداخلي”.
وبيّن الأزرق، في تصريح لهسبريس، أن “السلم الاجتماعي مسألة أساسية للاقتصاد المغربي، بالنظر إلى أن الجاذبية الاقتصادية جعلت عددا من الشركات الأجنبية تقرر الاستقرار بالمملكة؛ وبالتالي فمهما استثمرت الحكومة في الزيادات سيكون العائد جيدا لها وللاقتصاد الوطني كذلك، عبر مساهمة هذه الشركات في تحقيق مناصب شغل وتعزيز الدورة الاقتصادية والرفع من الموارد الضريبية”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “مختلف هذه الأوراش التي انخرط في تنزيلها المغرب، بما فيها ورش الحماية الاجتماعية والدعم المباشر والزيادة في الأجور، تتكامل في ما بينها، والهدف منها هو رفع نسب النمو والوصول إلى الدولة الاجتماعية ورفع الجاذبية الاقتصادية”.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه “في ما يتعلق بالاستدامة المالية فإن الدولة حاولت خلال السنوات الماضية الوصول إلى حلول مبتكرة، يمكن أن تتعزز بإصلاح حقيقي لمنظومة الضرائب والانفتاح أكثر على التمويلات المبتكرة، والنظر في ملفات الأوعية العقارية، فضلا عن اللجوء إلى قروض الاستثمار وليس الاستهلاك”.
المصدر: وكالات