أكد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أنه يجب استثمار حالة الزخم الدولى الكبيرة الحالية فى ما يتعلق بالاتجاه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك عبر البدء بتأهيل البيت الفلسطينى من الداخل وإعادة الحوار الوطنى الفلسطينى، وتقديم القضية الفلسطينية للمشهد الدولى والإقليمى مرة أخرى، مع ممارسة جهد عربى ودولى منسق فى هذا الاتجاه، سواء من داخل الأمم المتحدة أو خارجها.
واعتبر «فهمى»، فى حواره مع «الوطن»، أن المنطق الأمريكى فى ما يتعلق برفض الاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين فى الأمم المتحدة، منطق «مراوغ ولا يدفع إلى الاعتراف بالقضية الفلسطينية أو التعامل معها»، مشيراً فى المقابل إلى أن «الفيتو الأمريكى» لا ينبغى أن يدفعنا لليأس، لافتاً إلى أنه سيكون هناك مستقبلاً مشروع قرار ثانٍ وثالث يدعو إلى الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية.. وإلى نص الحوار:
هل تشهد الساحة الدولية والأممية حالياً زخماً حقيقياً وغير مسبوق بالفعل باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة؟
– أعتقد أنه حتى الآن هناك حالة زخم كبيرة، لكن علينا أن ننتبه ونفرّق بين أمرين، بين السلطة الفلسطينية المسئولة وبين تغيير صفة عضوية فلسطين فى الأمم المتحدة من «عضو مراقب»، إلى منحها العضوية الكاملة، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير، وتحرّك من المجموعة العربية، بالإضافة إلى جهد دولى للإقرار بهذه الصيغة.
وأنا فى تقديرى أن حالة الزخم الكبيرة يجب استثمارها، لكن قبل عملية الاستثمار نحتاج إلى تأهيل البيت الفلسطينى، وإعادة الحوار الوطنى، وإعادة تقديم القضية الفلسطينية للمشهد الدولى والإقليمى مرة أخرى من الجمعية العامة للأمم المتحدة وخارجها.
هل لوجود دول أوروبية، مثل إسبانيا وأيرلندا ومالطا وسلوفينيا، تتبنى هذا المطلب، دلالة وتأثير خاص؟
– طبعاً تبنى إسبانيا وأيرلندا ومالطا وسلوفينيا هذا المطلب، مهم، لكن أعتقد أننا لا نزال نحتاج إلى جهد كبير فى هذا الإطار.
وما تعليقك على المنطق الأمريكى الذى يرى أن العضوية الكاملة لفلسطين فى الأمم المتحدة لن تساعد على التوصل إلى حل الدولتين؟ وهل فعلاً لن يؤدى ذلك إلى تقدّم على طريق التوصل لهذا الحل؟
– المنطق الأمريكى هو منطق مراوغ لا يدفع إلى الاعتراف بالقضية الفلسطينية أو التعامل معها، وبالفعل فقد استخدمت أمريكا مؤخراً حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن ضد الاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين فى الأمم المتحدة.
والشىء الثانى أن الجانب الأمريكى يريد المفاوضات من أعلى، بمعنى أن تتم من خلال مقاربة فلسطينية أمريكية بالتفاوض، فى ظل الرهانات بأن إسرائيل أصلاً لا تريد أى مفاوضات فى هذا الإطار، فإسرائيل رافضة لفكرة حل الدولتين أصلاً، ورافضة أى مقايضات سياسية أو استراتيجية فى هذا الإطار.
وبالتالى من العبث أن نقول إن إسرائيل يمكن أن توافق أو تقبل أو تطرح هذا الأمر فى هذا السياق. وبالتالى لن يكون هناك اعتراف بالدولة الفلسطينية فى هذا التوقيت إلا بتوافقات دولية كبيرة.
وطبعاً الولايات المتحدة تؤيد فكرة حل الدولتين، لكن علينا أيضاً أن ننتبه أولاً إلى أن الولايات المتحدة داعمة لإسرائيل، وبالتالى ستُفشل أى جهد فى هذا الإطار.
ما دلالة الإصرار العربى هذه المرة على تقديم مشروع القرار الذى يدعو إلى الاعتراف الكامل بعضوية فلسطين فى الأمم المتحدة، رغم المعارضة الأمريكية؟
– طبعاً الجزائر هى التى تتبنى هذا الموقف، والجزائريون لديهم مقاربة فى هذا الموضوع منذ تم إعلان قيام دولة فلسطين من هناك أيام ياسر عرفات.
هل انتهى الأمر بـ«الفيتو الأمريكى» ضد مشروع القرار العربى، أم أن هناك حلقات أخرى؟
– الفيتو الأمريكى لا ينبغى أن يجعلنا نيأس، فهناك تصور بضرورة دعم القضية الفلسطينية وإعادة تقديمها للواجهة الدولية، ونحتاج إلى جهد دولى ودعم المجموعة العربية، وأن يتم ذلك فى سياقات محدّدة. وبدون دعم الجانب الأمريكى وبدون التوافق بشأن ذلك لن يكون هناك قبول بأى سيرة فى هذا الإطار.
هل الاعتراف بدولة فلسطين يحتاج إلى دعم كبير ضد الفيتو الأمريكى الذى يواجه أى محاولات لحل القضية الفلسطينية، خاصة فى الفترة الأخيرة؟
– أنا أتصور أننا محتاجون إلى دعم كبير جداً من المجتمع الدولى ومن القوى الرئيسية والتحرّكات الدولية فى هذا الإطار.
والجانب الروسى والصينى ربما لا يمكن أن نعول عليهما كثيراً، فالصين ذات «نَفَس ضعيف» فى هذا الإطار، والروس أيضاً لهم حساباتهم فى إطار المقايضات الكبرى، لكن المجموعة العربية تحتاج إلى مراجعة وجهد وتعاون كبير.
وإذا كان الفيتو الأمريكى قد أفشل مشروع قرار الاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين هذه المرة، فسيكون هناك مشروع ثانٍ وثالث، لكن الفلسطينيين عليهم أن يقدّموا إجابات واضحة فى هذا السياق، وهم يحتاجون إلى مراجعة، فهم شكلوا حكومة رئيس الوزراء الفلسطينى محمد مصطفى، لكن الحكومة وحدها غير كافية.
تأهيل السلطة الفلسطينية
إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية تحتاج إلى وقت وجهد، وتحتاج دعم السلطة الفلسطينية على الأرض باعتبارها السلطة المشروعة، وأن يكون هناك شعب واحد فى فلسطين، وليس شعب فى غزة وشعب فى الضفة، وحكومة هنا وحكومة هناك.
وإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية طبعاً أمر مهم. وفى كل الأحوال هى معركة، ومعركة مستمرة تبذل فيها الدولة المصرية والقيادة السياسية المصرية جهداً كبيراً، وسيادة الرئيس السيسى يدعو إلى فكرة مقاربة حل الدولتين، وبالتالى مصر والرئيس السيسى يدعمان هذه الفكرة بصورة كبيرة.
والرئيس السيسى دعا إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعمل وتعيش إلى جوار الجانب الإسرائيلى. وفى تقديرى أن هذه دعوة كريمة من مصر، وهناك جهد دبلوماسى كبير فى هذا السياق