ربّما لم تعد ممارسة الحق المنصوص عليه في الفصلين الرابع عشر والخامس عشر من دستور المملكة تستهوي كثيرا المواطنين وفعاليات المجتمع المدني، على الرغم من التعديلات التي تم إدخالها على القانون رقم 44.14 المتعلق بشروط وكيفيات تقديم العرائض ليتماشى وواقع الرقمنة والديمقراطية، وذلك بعد أن بات الموقع الإلكتروني الذي خصصته الحكومة لهذا الورش شبه فارغ من أي مبادرات جديدة، خصوصا في آخر سنيتين.
يسائل هذا “التقاعس” مستقبل الديمقراطية التشاركية بالبلاد التي أكد عليها دستور المملكة لسنة 2011، كما يبرز كذلك “الهُوّة” بين المواطنين ومواكبة المشاريع السياسية والسياسات العمومية التي تعرفها البلاد خلال الفترة الحالية.
أكاديميون مختصون في القانون العام والعلوم السياسية أكدوا لهسبريس أن “آلية العرائض والملتمسات لم يتم التسويق لها بالشكل الإيجابي على الرغم من أهميتها وقدرتها في تجنب مختلف الإشكاليات المطروحة”، مؤكدين أن “حتى الصيغة الرقمية الجديدة لتقديم هذه المبادرات لم تتمكن من جذب المواطنين وفعاليات المجتمع المدني، ويرتبط ذلك من جانب بتدني منسوب الثقة في الوسائل الرقمية الجديدة”.
تفاعلا مع الموضوع، قال عباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن”من بين الأسباب الواقفة وراء هذا الواقع المرصود، أنه ربما لم يسوّق بالشكل المطلوب لهذه الآليات على الرغم من كونها آليات دستورية تروم تنزيل ما تنص عليه الديمقراطية التشاركية ولها القدرة على استيعاب أطياف المجتمع المدني وتجاوز الإشكاليات المرتبطة بجودة المشاريع المتعلقة بالسياسات العمومية”.
وسجل الودي، في تصريح لهسبريس، أن “حتى المواطنين وفعاليات المجتمع المدني يحضر لديهم نوع من التقاعس في هذا الإطار، ما يوضح عدم استيعابهم لمقتضيات المرحلة وعدم التقاطهم لعدد من الإشارات التي ما فتئ الملك يؤكد عليها عبر الخطب والرسائل التوجيهية لغرفتي البرلمان”، موردا أن “هذا التقاعس يساهم في اندحار المقاربة التشاركية ولا يمكن البتة من الوصول إلى التأسيس للديمقراطية التشاركية وتقريب الرؤى بخصوص السياسات الوطنية”.
وأكد المتحدث أن “كل المؤشرات تؤكد عدم وجود اهتمام برمزية هذه الآليات، مما يبرز وجوب وعي الأطراف المعنية بحساسية المرحلة وما تقتضيه في ظل كوننا أمام عدد من المشاريع الكبرى التي تتطلب وجود المجتمع إلى جانب الحكومة والعكس صحيح، خصوصا فيما يتعلق بتنزيل النموذج التنموي، فضلا عن الوعي التام بهذين التوجيهين الدستوريين”.
وخلص الأكاديمي ذاته إلى أن “الحكومة وكذا الجماعات الترابية تبقى مدعوة إلى الانخراط في حوار وطني يروم مأسسة الخطاب الوطني المؤَسس على المساءلة للرفع من الديمقراطية التشاركية كآلية معول عليها من أجل دمقرطة الحقوق والواجبات والوصول إلى أداء سياسي ناجع”.
من جهتها، قالت شريف لموير، باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، إن “المقاربة التشاركية التي تبنتها الدولة من خلال الحق في تقديم الملتمسات والعرائض وفقا للفصلين 14 و15 من الدستور المغربي، تعرف بطئا في مباشرتها، مما يمكن معه الجزم بأن الأمر مرتبط بسببين رئيسيين”.
وأوضحت لموير، في تصريح لهسبريس، أن “الشروط التي كانت تؤطر مباشرة حق التقدم بالملتمسات والعرائض كانت تعجيزية، مما جعل الراغبين في التقدم بالعرائض محاصرين بهذه الشروط وداخل آجال ضيقة، الأمر الذي نتح عنه تراجع وتيرة تقديم هذه الآليات التي كانت في كثير من الأحيان تقابل بالرفض على الرغم من أنها تستوفي الشروط وتتقيد بالآجال”.
وأبرزت المتحدثة أن “التغييرات التي عرفها القانون رقم 44.14 المتعلق بتقديم العرائض لم تنجح في الحد من التراجع الذي بات واضحا حتى مع إتاحة صيغة رقمية لتسهيل هاته العملية، مما يمكن الجزم معه بأن غياب عامل الثقة لدى المواطن في الصيغة الرقمية يظل عاملا مهما من العوامل التي يتأثر بها تقديم العرائض في شكلها الإلكتروني”.
وأشارت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية إلى أن “عامل الثقة، على الرغم من المقاربة الرقمية التي حاولت الدولة تبنيها من أجل تسهيل مختلف المساطر الإدارية، جعل هاته البوابات الإلكترونية في ركود وغير محيّنة، مما يؤكد ضرورة تبني الدولة لمقاربة توعوية بشكل عاجل من أجل تغيير الوضع”.
المصدر: وكالات