يبدو أن تعيين كينيا، بشكل رسمي ولأول مرة في تاريخ علاقاتها مع الرباط، سفيرا لها لدى الأخيرة، يحمل مجموعة من الإشارات الإيجابية بالنسبة لمستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل تعبير قيادة البلدين في أكثر من مناسبة عن رغبتهما في تعزيز علاقاتهما، خاصة على المستوى الاقتصادي، وهو ما يفتح المجال أمام اختراق جديد للدبلوماسية المغربية لواحدة من الدول التي مازالت ضمن قائمة داعمي مشروع الانفصال في الصحراء المغربية.
بوادر اختراق استبقتها الدبلوماسية الجزائرية، وكعادتها، بزيارة لوزير خارجية هذا البلد مباشرة بعد إعلان تعيين سفير لنيروبي لدى الرباط، إذ أجرى المسؤول الجزائري ذاته مباحثات مع نظيرة الكيني تمحورت أساسا حول سبل تعزيز العلاقات والشراكة ما بين البلدين، حيث أكد البلدان على “تطابق مواقفها وسعيهما المشترك إلى تعزيز دور الاتحاد الإفريقي في مواجهة التحديات التي تفرض نفسها”، وفق ما أفادت به الخارجية الجزائرية في بيان لها.
إشارات إيجابية وانفتاح كيني
في قراءاته دلالات الخطوة الكينية الجديدة قال هشام معتضد، الباحث في الشؤون الإستراتيجية، إن “تعيين كينيا جيسيكا موثونيجاكينيا كأول سفيرة بالمغرب يؤشر على رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ونيروبي إلى درجة إستراتيجية في إطار قنوات التواصل السياسي والتفاهم المؤسساتي الدبلوماسي”.
وأضاف معتضد أن “هذه الخطوة تحمل دلالات كبيرة في خضم رئاسة وليام روتو كينيا، إذ أعطى إشارات إيجابية بخصوص التعاون الثنائي بين بلده والمغرب منذ وصوله إلى سدة الحكم، وذلك رغم محاولة أطراف من داخل كينيا ومن خارجها لثنيه عن توجهاته تجاه الدفع بالعلاقات المغربية الكينية إلى مستويات أفضل”.
وسجل المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا التعيين الدبلوماسي الجديد على مستوى السفارة يعد نتيجة اختراق جديد للمغرب في شرق إفريقيا، كما يعد مكسبا دبلوماسيا وسياسيا كبيرا للرباط، خاصة أن كينيا تعد فاعلا محوريًا في العديد من القضايا الإفريقية والإقليمية”.
على صعيد آخر، لفت الباحث ذاته إلى أن “هرولة وزير الخارجية الجزائري إلى كينيا ولقاءه مع نظيره الكيني تعكس مدى خوف وتوجس النظام الجزائري من تبعيات الانفراج الدبلوماسي بين الرباط ونيروبي، خاصة أن كينيا تعتبر من بين القلاع القلائل والأخيرة التي مازالت تدعم البوليساريو، وتعتمد عليها الجزائر كثيرًا من أجل تمرير أجندتها المعادية للمغرب”.
كما بين معتضد في حديثه مع هسبريس أن “القيادة في كينيا بدأت تعي دور المغرب الإقليمي، وخاصة التطورات التي يشهدها قطاعه الاقتصادي، وفطنت للأطروحة الوهمية التي يروج لها النظام الجزائري بخصوص النزاع المفتعل في الصحراء وبعض الملفات الإقليمية المعادية لمصالح الرباط الحيوية”.
وخلص المتحدث إلى “وجود انفتاح من طرف القيادة الجديدة لكينيا على النموذج المغربي”، موردا أن “الساسة الحاليين لنيروبي أكثر نضجًا وبراغماتية، وهم واعون بتطور الأحداث وحمولتها السياسية، وبالتالي يريدون تجاوز الزاوية والرؤى الإيديولوجية في تدبير ملفات السياسية الخارجية وتوجيه بوصلتها نحو الواقعية السياسة والنهج البراغماتي في العمل الدبلوماسي”.
نتيجة حتمية وردة فعل جزائرية
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “الخطوة الكينية هي نتيجة حتمية لعملية دبلوماسية متكاملة تقوم بها الأجهزة الدبلوماسية المغربية لاستمالة موقف داعم لقضية الوحدة الترابية، بدأت بفتح أوراش دبلوماسية مستدامة مع هذا البلد الذي يشكل أهمية كبرى للدبلوماسية العالمية متعددة الأطراف، وكان من أكبر داعمي الأطروحة الانفصالية على المستوى القاري والدولي”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “الموقف الكيني الحالي هو تحصيل منطقي لعملية تراكمية، تجمع بين تحرك إستراتيجي ثابت المبادئ وحس دبلوماسي هادئ، يعتمد عدة مقاربات ومساقات تهم الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والديني، بهدف تقريب الرؤى وتقارب المصالح بين الجانبين”.
وسجل البراق شادي أن “الخطوة الكينية ستساهم في الدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستويات متقدمة، خاصة أن المغرب يعمل منذ سنوات على خلق فرص تعاون اقتصادي مع كينيا وفق مبدأ رابح – رابح الراسخ في السياسة الخارجية المغربية”، موردا أن “توسيع التكامل والشمول وتعزيز الروابط بين السوق الاقتصادية المغربية والكينية سيساعد مستقبلا على الانخراط المغربي في التكتلات الإقليمية الاقتصادية المنتشرة في شرق وجنوب إفريقيا”.
ولفت المصرح لهسبريس إلى أن “الدبلوماسية المغربية في كينيا اشتغلت بفلسفة واضحة تعبر عن الأداء المهني المتسم بروح وطنية خالصة، وبمسؤولية والتزام بتنزيل متكامل للرؤية الملكية المتبصرة في الدبلوماسية المغربية بإفريقيا”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى كينيا مباشرة بعد تعيين كينيا سفيرة لها في الرباط تندرج في إطار دبلوماسية ردود الفعل، والعبث السياسي الذي يمارس به صانع القرار الدبلوماسي الجزائري سياساته الخارجية، من خلال ارتهان قراراته لردود فعل غير محسوبة العواقب وغير ذات تأثير على المسار المتميز للسياسة المغربية إفريقيا”.
وخلص الخبير الدولي ذاته إلى أن “الإستراتيجية النوعية للدبلوماسية المغربية في كينيا يمكن اعتبارها نموذجا للتكامل بين الرؤية الملكية للسياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي القنصلي البناء، والدور الفاعل للمصالح الخارجية وجهود الدبلوماسية الموازية بمختلف فروعها”.
المصدر: وكالات