تنبيه من خطورة تفاقم وضع شح المياه في المنطقة العربية والعالم وأثره على الاستقرار وآفاق معالجته بين الفوضى والتعاون حضر في مقال لمحمد عصام لعروسي، المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيوسياسية بالرباط، نشر في العدد 627 من المجلة العسكرية الاستراتيجية “درع الوطن” الإماراتية.
واستشهد المقال بتوقعات ارتفاع الطلب على المياه بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2030؛ مما يعني أنه مع استمرار تفاقم التغير المناخي وارتفاع استهلاك المياه، وعوامل الجفاف، وقلة الإمداد بهذا المورد الحيوي؛ فإن “خطر الصراع على هذا المورد الحيوي يتزايد بشكل كبير، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
من بين ما استحضره المقال سالف الذكر ما أورده تقرير للبنك الدولي عام 2016 حول التغيرات المناخية والمائية والاقتصادية، ويقول: “التغيرات التي يشهدها العالم، وخاصة ندرة المياه والجفاف والفيضانات، قد تتسبب في حدوث موجات للهجرات المتوالية وحروب أهلية وانتشار لظاهرة العنف، وخاصة في ظل العولمة المتسارعة وانتشار ظاهرة الاعتماد المتبادل، وعدم المساواة بين الدول؛ مما يدفع مواطني الدول الفقيرة نحو الهجرة إلى المدن والدول الغنية، الأمر الذي قد يتسبب في تعاظم التوترات السياسية والاجتماعية”.
وأضاف المصدر ذاته: “تعاني العديد من الدول العربية من موجات متواصلة للجفاف وشح المياه؛ مما ينعكس على طبيعة التعاطي مع الأزمات المرتبطة بالأمن الغذائي والمائي والصحي، وخاصة في ظل الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يعرفها العالم بعد أزمة كورونا”، ثم يقول إنه “على الرغم من اختلاف الظروف بين دول المنطقة، فإن معظم السكان يواجهون خطرا وجوديا يتمثل في ندرة المياه، كما تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر مناطق العالم التي تشهد إجهادا مائيا منقطع النظير”.
وتابع المقال متحدثا عن مصالح الدول الكبرى في استقرار المنطقة وعدم ظهور موجات جديدة من اللاجئين والنازحين، علما أنه “بدون المياه ستتوقف الحياة ويضطر المواطنون إلى البحث عن مناطق أخرى للعيش فيها؛ وهو ما سيزيد من أعداد اللاجئين بالمنطقة، التي وصلت إلى أكثر من 10 ملايين لاجئ”.
هذا التزايد في الأزمات والصراعات وأعمال العنف “قد يؤثر على مصالح الدول الغربية في المنطقة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها مع الدول النفطية (…) يمكن أن تستغل الولايات المتحدة أزمة المياه لإشعال مزيد من التوتر ببعض دول المنطقة، التي تعيش بالأساس على إيقاع النزاعات المسلحة، ودينامية مرتفعة للجماعات والميليشيات المسلحة”.
ودفع هذا الباحثَ إلى القول إن “التحرك الدبلوماسي لواشنطن والدول الغربية وفواعل إقليمية أخرى كتركيا وإيران ودول الخليج العربية قد يكون مطلوبا؛ بل وضروريا للحد من الأزمات، وخاصة ما يتعلق بالصراع حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، القضية المحورية التي تشكل أهم ملمح من ملامح الصراعات حول الماء في المنطقة الإفريقية، وكذلك أزمة المياه الصالحة للشرب وعملية التطهير التي يعيش على إيقاعها اللاجئون الفلسطينيون في قطاع غزة بعد إجلائهم وتكديسهم في مدينة رفح من طرف إسرائيل، في غياب أدنى شروط العيش الكريم”.
ودافع المقال على فكرة أن “الاعتماد على جيوبولتيك المياه يستدعي ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التقلبات والتغيرات المناخية وتأثيراتها المحتملة لأجل الوقاية وحل النزاعات المرتبطة بالمياه”؛ فـ”التوترات الجيوسياسية تزداد حدة خلال أزمات المياه وهي فترات الجفاف الطويلة نسبيا، في حين أن الفترات الأكثر تساقطا تعطي أحيانا الشعور غير المبرر بوجود أمن مائي”.
وميز محمد عصام لعروسي بين ثلاثة أنواع من الندرة، لتحليل أزمات المياه: الندرة المطلقة التي تشير إلى إنهاك تام لمورد مائي غير متجدد، وهي ظاهرة نادرة الحدوث ويمكن تحديدها في المكان والزمان؛ والندرة النسبية المرتبطة بممارسات غير ملائمة لنسق تجدد المورد؛ والندرة المتصلة بمشاكل التنظيم في توزيع وضبط المورد، أي كفاءة وقدرة المسيّرين.ذ
وخلص الباحث ذاته إلى أن سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهون العديد من مخاطر الأمن الغذائي والصحي نتيجة ندرة الموارد المائية، التي من المتوقع أن تؤدي إلى أزمة مائية حادة، تعقبها مباشرة أزمة غذائية تضرب شعوب المنطقة؛ “مما قد يخلف مجاعات واسعة النطاق قد تسهم أساسا في هشاشة وفقر العديد من دول المنطقة”. كما أن “هذا الضغط الإضافي” قد يسبب “فوضى عارمة في شتى مجالات الحياة، ربما تعقبها صراعات وأعمال عنف واسعة النطاق تؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين الحالية”.
لكن ليس هذا السيناريو الوحيد الممكن؛ بل “يمكن أن تكون المياه رافعة من روافع التعاون فيما بين بلدان المنطقة وأيضا داخلها”، باستحضار كون مستقبل دول المنطقة رهينا بـ”توفير الخدمات الضرورية وعلى رأسها الماء الصالح للشرب، وضمان الأمن الغذائي والصحي للمواطنين”.
المصدر: وكالات