قرأتُ عدة مرات عن تجربة لسكان منطقة في بلدٍ نامٍ في بناء مساكنهم، إذ يُكوِّن الأهالي فِرَقاً لبناء بيوتهم تتكون من عشرة أفراد، ويقوم كل فريق بالبدء في بناء أول مسكن لواحد منهم ويلي ذلك إكمالهم بناء العشرة منازل، دون إحضار أي عمَّال، وباستخدام المواد المتوفرة محلياً، وبذلك يتملّك كل فرد منهم منزلاً مقابل مساعدته للتسعة الباقين من الفريق.
هذه التجربة تستحق الدراسة من الجانب الاقتصادي والإداري والعلمي، فيبدو أن هؤلاء الأهالي قد نظموا أنفسهم فيما يشبه الأفكار الأولى من تعاونيات البناء، وهو مدخل مهم لتنظيم بناء المساكن للأفراد الذين يفتقدون لأي خبرة إدارية أو مالية أو هندسية، (مثل بعض مواطنينا الذين يخوضون تجربة بناء مساكنهم مع افتقادهم لأبسط المهارات والعلوم والمعارف اللازمة لذلك).
إن تقديم خدمة بناء المسكن الخاص بكل مواطن عن طريق تنظيم الجمعيات والتعاونيات سيعود بالفوائد الجَمّة على المواطن، وذلك بتوفير جهوده التي يبذلها في مجال ليس من تخصصه، وكذلك يوفر عليه الكثير من ماله (عكس ما يظن البعض)، بالإضافة إلى إنتاج مساكن ذات جودة عالية تعيش دون تدهور لما يصل إلى سبعين عاماً أو يزيد ــ بإذن الله ــ وتكون سهلة وقليلة الصيانة، وهذا غير المزايا الأخرى التي سيتمتع بها المجتمع بإيجاد بيئات مناسبة لمساكن العائلات، وأشكال خارجية متناسقة وملائمة للمكان (دون اللجوء إلى كثرة الزخارف التي تؤذي البصر)، وتكون فيها المباني صديقة للبيئة بلا جور على ثروات الأجيال القادمة.
إضافة إلى المزايا الاقتصادية والإدارية التي ذكرتها هنا، فإن تجربة بناء مساكن المواطنين بشكل تعاوني لها أيضاً مزايا اجتماعية وثقافية مهمة، فمن الناحية الاجتماعية هذه التجربة تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وتعزيز روح التعاون والتكافل بين الجيران، كما أنها تساهم في خلق مجتمعات أكثر استقراراً وانسجاماً.
من الناحية الثقافية، فإن هذه التجربة تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي للمجتمع، إذ إن هذه الطريقة في بناء المساكن قد استخدمت منذ القدم في العديد من الثقافات المختلفة، كما أنها تساهم في تعزيز روح الانتماء للمجتمع لدى أفراده.