معطيات مهمة تلك التي حملتها النسخة النهائية من “بارومتر الصناعة المغربية”، الذي أكد “نتائج إيجابية” حققها القطاع الصناعي الوطني خلال السنوات الأخيرة، حيث تجاوز رقم معاملاته 800 مليار درهم، في حين تجاوزت القيمة المضافة 200 مليار درهم هي الأخرى.
وبين البارومتر أن محور “الدار البيضاء الرباط طنجة” استحوذ على الصدارة في جميع المؤشرات، بما فيها إجمالي الاستثمار والإنتاج والقيمة المضافة وعدد اليد العاملة وتوزيع المقاولات كذلك، في حين حققت الجهات الأخرى نسبا متوسطة، كاشفة بذلك حقيقة غياب التكافؤ الصناعي في هذا الصدد.
وحسب المصدر ذاته، فإن خمس جهات، هي: فاس-مكناس وسوس-ماسة ومراكش-آسفي والشرق وبني ملال-خنيفرة، تمكنت من المساهمة مجتمعة بـ 16 في المائة من إجمالي الإنتاج الصناعي، في حين حققت جهة الدار البيضاء-سطات لوحدها إنتاجا بواقع 399 مليار درهم.
وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، أكد خلال تقديمه لهذه الإحصائيات وجود تفاوت بين الجهات، قائلا إن وزارته “تعي جيدا هذا الموضوع وتسعى إلى تحقيق نوع من العدالة المجالية في الاستثمارات والفرص الاقتصادية”، مبينا أن “مختلف الجهات عرفت نسبة ارتفاع في جميع المؤشرات الصناعية”.
وعلى هذا النحو، تبرز مسألة التسريع الصناعي بمختلف مناطق البلاد تزامنا مع الرغبة المغربية في الاعتماد مستقبلا على قطاع الصناعة وجعله من أهم مصادر النمو، موازاة مع انخراط وطني منذ أزيد من تسع سنوات في مسلسل الجهوية الموسعة.
خالد حمص، أستاذ جامعي محلل اقتصادي، أفاد بأن “المجال الصناعي مرتبط بشكل أساسي بعامل النقل واللوجستيك والبنية التحتية الطرقية، حيث يبحث مختلف الفاعلين في المجال عن محيط اقتصادي مساعد يستحضر كذلك عامل وجود الكفاءات واليد العاملة بالقرب من مقر نشاط المقاولة”.
وأكد حمص، في تصريح لهسبريس، أن “البعد عن الموانئ ومراكز النقل والتفريغ يرفع بشكل مباشر من كلفة الإنتاج، وبالتالي تراجع هامش الربح، الأمر الذي يجعل في المغرب، مثلا، الشركات تستقر عادة بمناطق طنجة والدار البيضاء والنواصر، وهي مسألة ترتبط عادة بوجود بنية تحتية مساعدة على ترويج المنتوجات بعد مرحلة التصنيع”.
المتحدث ذاته لفت إلى أن “الرفع من تنافسية الجهات الأخرى في مجال الصناعة يبقى مرتبطا أساسا بتوفير التحفيزات الكافية للمستثمرين وتشجعيهم على اقتحام باقي المناطق الجغرافية، خصوصا بالشرق والجنوب الشرقي والجنوب، وهذه النقطة ترتبط بعمل الجماعات المحلية التي تظل مدعوة إلى تحقيق المرونة الجبائية من أجل تحفيز الاستثمار”.
كما سجل أن “المغرب حقق خطوات متقدمة في مجال الجهوية المتقدمة والتسويق الترابي في وقت ما يزال موضوع توزيع الاستثمار الصناعي بعدالة على الجهات كلها مطروحا، بحيث يصطدم بمعيقات أبرزها البنية التحتية الطرقية كما ذكرنا”، مشددا على أن “الإنتاج القوي يفترض وجود بنية تحتية قوية”.
من جهته، قال ادريس الفينة، خبير اقتصادي، إن “الميثاق الوطني الجديد للاستثمار أخذ على عاتقه إيجاد حلول لهذه التفاوتات بين الجهات، من خلال تحفيز الفاعلين على الاستثمار بهذه المجالات الترابية بدورها عبر مجموعة من العروض ذات جاذبية اقتصادية مهمة”.
وأضاف الفينة، في تصريح لهسبريس، أن “وصول الاستثمارات الصناعية إلى مختلف الجهات يقتضي أولا توفر هذه الأخيرة على بنية تحتية ملائمة، من موانئ وطرق سيارة ومطارات، وهو الأمر الذي نرى أنه يعرف نوعا من التباين بين ربوع المملكة، فلا يمكن، مثلا، مقارنة الجهات الشمالية مع نظيرتها الجنوبية”.
وعلى الرغم من كل هذا، بيّن المتحدث أن “الجهات ليست مدعوة في المجمل إلى التحول إلى الصناعة، في حين يجب احترام تخصصات هذه الجهات وطبيعتها الديمغرافية والترابية؛ فالواقع أن هنالك جهات قطعت أشواطا في مسلسل التسريع الصناعي من خلال تحولها إلى مناطق صناعية، بينما جهات أخرى وجب ألا يتم الزج بها في هذا الورش على الرغم من أهميته”.
وأوضح الفينة أن هذا الأمر “لا يعني ألا يكون هنالك حد أدنى من النشاط الصناعي الذي يعتمد أساسا على المنتوجات المجالية المحلية بهذه المناطق، بل وجب الاستجابة لخصوصيات هذه المناطق في إطار يحترم كذلك توازنا صناعيا وطنيا”.
المصدر: وكالات