لم تعد حركية الهجرة السرية بالسواحل المغربية خافية، فقد توالت مؤخرا تدخلات مصالح البحرية الملكية التي مكنت من ضبط المئات ممن يشتبه في محاولتهم الهجرة إلى الضفة الأوروبية بطريقة غير شرعية؛ ومن بين هؤلاء مغاربة ومهاجرون من جنوب الصحراء ممن يحاولون ركوب الأمواج، سواء عبر السواحل المتوسطية أو السواحل الأطلسية للبلاد.
في هذا الصدد حاولت دراسة حديثة منشورة ضمن عدد أبريل من مجلة “المجال الجغرافي والمجتمع المغربي” مقاربة هذه الظاهرة، خصوصا على مستوى المنطقة الشمالية، وتحديدا المحور الحدودي الناظور_مليلية، مع إبراز العوامل المساهمة في ارتفاع نسب توافد المهاجرين السريين عليه للوصل إلى أوروبا.
وأوضحت الدراسة أن “المحور المذكور بات منفذا لمهاجرين من جنسيات مختلفة، بما فيها تشاد وسوريا وبوركينافاسو والسنغال والكاميرون وغينيا ومالي، فضلا عن جنسيات أخرى من دول جنوب الصحراء، وذلك بهدف الوصول إلى مدينة مليلية المحتلة، ومنها إلى أوروبا عبر إسبانيا؛ الأمر الذي جعل العلاقات الدبلوماسية الأخيرة بين مدريد والرباط تستحضر بشكل جدي هذا الموضوع”.
كما أكدت الوثيقة أن “الدخول إلى مدينة مليلية المحتلة يعد من أصعب الأمور، بالنظر إلى أن نسبة النجاح في ذلك لا تتجاوز عادة 3,7 في المائة لدى الأفارقة جنوب الصحراء، ويحاولون التسلسل إليها عبر ثلاثة طرق: القفز عبر الحاجز، ركوب القوارب المطاطية، ثم الاختباء في السيارات؛ في حين أن المهاجرين السوريين يحاولون الوصول إلى المدينة عبر نقاط تواجد شرطة الحدود”.
وبينت الدراسة التي أعدها المنعيم بلال وربيعة بن خديجة، الباحثان بمختبر دينامية الأوساط الجافة التهيئة والتنمية الجهوية بكلية الآداب بوجدة، أن “عدد المهاجرين المتواجدين بمراكز الهجرة بمليلة بدأ الانخفاض ابتداء من سنة 2015 بعد أن وصل إلى 3782 مقارنة مع 5948 مهاجرا سنة 2014، رغم تشديد المراقبة بطريق أوروبا عبر تركيا أو ليبيا”.
ورغم ذلك فإنه حسب الوثيقة المذكورة “مازال محور الناظور مليلية مجالا نشيطا للهجرة غير الشرعية بالعالم، بالنظر إلى خصوصياته الجغرافية والسياسية كذلك، على اعتبار أنه من أنشط المحاور خلف كل من بحر إيجه ومحور تونس إيطاليا؛ فيما التهافت على المرور عبره ناتج عن كون مليلية ‘مدينة أوروبية’ تمكن المهاجرين من تقديم طلبات لجوء فور الوصول إليها”.
وسجلت البيانات التي اعتمد عليها الباحثان أن “عدد حالات النجاح في العبور إلى مليلية انخفض بشكل كبير ما بين 2015 و2018، إذ انتقل من حوالي 2500 حالة نجاح إلى أقل من 500 حالة، وهو ما يرجع أساسا إلى تشديد الجانبين الإسباني والمغربي المراقبة الأمنية على مستوى السياج الحدودي للمدينة، بعد أن تم تزويده بأجهزة إنذار وكلاب مدربة وأنظمة مراقبة”.
وحسب الدراسة نفسها فإن إسبانيا “اعتمدت على مقاربة أمنية مفرطة بخصوص السياج الحدودي لمليلية خلال السنوات الأخيرة، بعد أن تم تخصيص حوالي 600 رجل أمن ذوي تدريب خاص للأمن الحدودي ما بين باب ماري واري والنقطة الشمالية للمدينة، إلى جانب حوالي 180 رجل أمن يمتازون بتكوين خاص بهدف مراقبة الحواجز الحدودية، فضلا عن تجهيز المعبر بـ42 كاميرا مراقبة وتخصيص 6 بواخر للمنفذ البري”.
وسجل المصدر ذاته “اللجوء الإسباني إلى نصب متاريس حديدة كهربائية وحواجز سلكية شائكة للفصل بين مليلة المحتلة والتراب المغربي، مع اللجوء إلى بناء سور ثالث على طول مدار المدينة سنة 2014 وترحيل مهاجرين إلى الرباط، رغم الرفض الأوروبي، الأمر الذي تجاهلته مدريد وأصرت على الاعتراف بجدية التعامل المغربي مع الأمر”.
ولفت الباحثان إلى أن “الإشكال الحقيقي الذي يعيق اجتثاث الظاهرة بمحور مليلة الناظور هو التعامل الإيبيري مع الموضوع بطريقة أمنية صرفة، في وقت يدعو المغرب إلى مقاربة إستراتيجية محكمة تنبني على العنصر التنموي بالدرجة الأولى، ورفضه تثبيت نفسه كدركي يشتغل لصالح بروكسيل في مجال الهجرة؛ بينما يرتبط حل الظاهرة كذلك باعتماد حلول إستراتيجية تمكن من تثبيت الساكنة بمناطق سكنها الأصلي”.
المصدر: وكالات