حول قضايا من بينها الصحراء المغربية، ومستقبل العلاقات المغربية الفرنسية، والإفريقية الأوروبية، والتوازنات الدولية في ظل التنافس الصيني الأمريكي، تحدث كريستوف لوكورتيي، سفير فرنسا بالمغرب، في محاضرة حول العلاقات المغربية الفرنسية، استقبلتها، اليوم الخميس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالعاصمة الرباط.
الصحراء المغربية
بعد أسئلة كانت من بينها مداخلة الطيار المغربي علي نجاب الذي كان أسير حرب لمدة 25 سنة عُذب فيها من طرف جبهة “البوليساريو” بتندوف، وشهد عدم اهتمام جمعيات ومنظمات حقوقية، وصف كريستوف لوكورتيي، سفير فرنسا بالمغرب، ما شهده القبطان بـ”الاعتقال الرهيب” الذي واجهه بـ”شجاعة”، وذكر بأن “فرنسا، منذ البداية، كانت في التسليح إلى جانب المغرب”؛ بل “أطلق الجيش الفرنسي النار وتدخل ضد أعضاء (…) من جبهة البوليساريو”.
وأجاب السفير الفرنسي عن أسئلةِ متدخلين، أغلبهم طلبة، حول قضية الصحراء المغربية، قائلا: “منذ بداية المسألة، كانت فرنسا إلى جانب المغرب دون تردد (…) وفي الأمم المتحدة عندما كان المغرب منعزلا أمميا، استعملنا عضويتنا الدائمة في مجلس الأمن لصالحكم (…) ولما اقترح المغرب مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها جلالة الملك، كنا من الأوائل الذين قالوا إنها حل جيد”.
ثم استدرك السفير الفرنسي قائلا: “ربما لم نعط ما يكفي من الإشارات، وكان ينبغي أن نعبّر بطريقة أكبر عن مواقفنا”؛ لكن فرنسا اليوم “اختارت التقدم”، لأنها تعي، كما قال وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه، بأن “هذا سؤال وجودي للمغرب”، مردفا: “حديث مسؤول من هذا المستوى بشكل علني، بمثل هذه المفاهيم، ليس عبثا”.
وزاد: “توجد مدرستان فرنسيتان بالعيون والداخلة، وفرنسا البلد الوحيد الذي فتح مدارسه الأجنبية بهما. والمعاهد الفرنسية نظمت، في الأسابيع الأخيرة، لمدة ثلاثة أشهر أنشطتها الثقافية “بهذه الأقاليم، مع مئات الشباب وغيرهم من المقيمين بها”، في إشارة إلى الصحراء المغربية دون تحديد مفاهيمي صريح.
وواصل: “كان هذا موضوع أحاديث. وهنأنا استثمارات المغرب هناك لصالح الساكنة لمدة سنوات. ولو أن هذا عادي بالنسبة لكم (المغاربة)، إلا أنه رسالة مهمة وواضحة من مسؤول فرنسي، وسنرافق حركة الاستثمارات والتنمية؛ بل وحددنا قائمة الاستثمارات المتعددة، حتى يمكننا عبر شركات واستثمارات وفاعلين عموميين مرافقة الاستثمارات هناك”.
الاستثمار المربح للطرفين
قال كريستوف لوكورتيي، سفير فرنسا بالمغرب، إن “التنافسية الاقتصادية الفرنسية” المعتمدة على استثماراتها بالمغرب ستنتقل من الاستثمار بالمناولة (Sous-traitance) إلى استثمار التعاقد المشترك (Co-traitance)، بعد حديثه في محطة سابقة من كلمته عن ضرورةِ “إعادة تعريف شراكتنا” لا تصورَ “العودة المتخيلة إلى عهد ذهبي”، بل باستيعاب “ما عليه المغرب اليوم والعالم وفرنسا أيضا”.
كما أقر السفير الفرنسي بأن البلد الذي يمثله كان “قد فقد الخيط الناظم لما يقع هنا”، قبل أن يزيد: “غيرنا النظارات قبل شهور” والحديث الآن بين البلدين “حديث أنداد، بذكاء واستفادة كثيرة”، ثم قال: “أنا متفائل نسبيا، من أجل ثمار مزهرة ومغذية (…) ليست فائدتها لفرنسا فقط فنحن مجتمع قدري، مثل العائلة، وسيستفيد الجميع”، المغرب وفرنسا والشركاء الآخرون.
وتحدث المسؤول الدبلوماسي الفرنسي عن “العلاقة التجارية المتميزة” بين البلدين، وعن الضرورة العاجلة لـ”عدم مركزة الاستثمار الاقتصادي”، وأن يكون الازدهار بين البلدين وعمالهما، ولا يقتصر على جهة دون أخرى.
كما ذكر المتدخل أن “المغرب سيصير قوة كبيرة في الطاقات المتجددة”، علما أن “الطاقة الخضراء مفتاح كل شيء” في المستقبل القريب، مع طرحه أسئلة مشتركة ملحة أخرى من قبيل “الأمن الغذائي”.
وجدد السفير تصريحاته السابقة حول عدم إرادة بلاده استمرار “هجرة الأدمغة، مثل الأطباء والمهندسين”؛ بل “مرافقة المغرب في استثمار تكويني على جميع المستويات، لتكون الموارد البشرية للجميع؛ فلا نريد افتراس لحوم بعضنا”.
وحول رؤية المغرب الأطلسية التي تعطي لدول إفريقية أخرى منفذا على المحيط، تحدث السفير الفرنسي عن إرادة بلاده “الاندراج في الاستراتيجية المغربية والإسهام فيها”، مع مرافقة الاستثمارات الخضراء والزرقاء وغيرها.
علاقات البلدين في عالم جديد
ذكر سفير الجمهورية الفرنسية بالمملكة أن العلاقات بين البلدين “قديمة وغنية”؛ لكن “يهددها أحيانا طغيان الذاتية”، في عالم “تغير كثيرا” عن عالم عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين حين “كان العالم أبيض أو أسود، وكان للمغرب اختيار غربي واضح”.
ثم استرسل قائلا: “العالم اليوم مركب وفوضوي، ويفرض إعادة تعريف العلاقة، برفع الرأس والنظر في ما يحدث حولنا”؛ وهو ما وفره “ضغط زر التوقف” بين البلدين، لمعرفة “ما يدور حولنا، للقيام بأشياء مفيدة مستقبلا”.
وتأسف السفير الفرنسي من تزايد “التيارات الشعبوية الحمائية مع في أوروبا”، كما تحدث عن وضع إقليمي فشل فيه “اتحاد المغرب العربي” و”الاتحاد من أجل المتوسط”، ووضع قاري “تهددنا فيه بلدان الساحل بتهريب المخدرات والأسلحة والشبكات المتطرفة التي تهدد أمن بلداننا”.
وزاد: “قوة الولايات المتحدة تبقى معتبرة، إلا أنه مع دونالد ترامب (الرئيس السابق) لن يبقى منطقها في العقود المقبلة هو اليمين أو اليسار، بل ستطبعها المنافسة مع الصين”، فضلا عن “الهجرة الكبيرة من دول أمريكا اللاتينية”، وحضور “قوى مثل الهند، وقوى صاعدة مثل فيتنام التي لها تاريخ استعماري مع الصين”.
كما ذكر سفير فرنسا بالمملكة أن “على الغرب مساءلة نفسه في سلوكه في عدد من الأماكن”؛ ومن بينها “الأزمة الكارثية بين فلسطين وإسرائيل”، ولو أن هناك “دولا عربية لأسباب تاريخية وجغرافية، ظنت أنه يمكن الالتفاف السؤال الفلسطيني”، قبل أن يتحدث عن سؤال كيفية الوصول إلى “حل الدولتين”.
كما تحدث عن وعيه بالحاجة إلى إقناع أوروبا بأن “تجد جنوبها”، فهي “مهتمة جدا بالشرق وتحدياته”، علما أن الهيمنة الروسية أمر غير جديد على أوروبا.
وذكر لوكورتيي أن “العلاقة الإنسانية” بين الساكنة المشتركة للمغرب وفرنسا لم تتأثر بـ”ما وصفته الصحافة بالعلاقات المتوقفة”؛ فيوجد “6 ملايين مسلم فرنسي، منهم كثيرون من أصل مغربي، أو لهم علاقة به، وتوجد لغة مشتركة، وتبادلات دائمة، ومقيمون بالمغرب، وسياح عديدون”.
ثم قال السفير الفرنسي: “ليس لنا اختيار إلا الاستمرار في بناء جماعة قدر بين المغارب، وأوروبا والساحل”، مع استحضار أن “المغرب برؤيته، وجيناته، وتموقعه الجغرافي هو المحور المركزي”، في إقليمه.
المصدر: وكالات