أثار والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، نقاشاً داخل الوسط الاقتصادي المغربي بتأكيده أن التوجه المتصاعد بقوة نحو “الدفع نقدا”، “لم يعد مقبولا مع وصوله إلى نسب مرتفعة تتجاوز 11 بالمائة”، إذ اعتبر باحثون في القطاع المالي أن “الأرضية تعدّ مشجعة لتواصل الدولة مسار رقمنة الاقتصاد والإسراع بإخراج العملة النقدية وتسهيل الدفع إلكترونيا”.
وشدد الباحثون الذين تواصلت معهم هسبريس على أن “تسريع الرقمنة وتسهيل تعامل المواطنين بالأداء عبر الهاتف أو بالبطاقة البنكية، سيكون عاملاً لتدبير الاقتصاد غير المهيكل”، موضحين أن “الأخير يعتمد بدرجة كبيرة على النقد من أجل الابتعاد عن الضرائب والتخلص من التحملات الاجتماعية، وأساساً لضمان تكلفة إنتاج أقل مقارنة مع القطاع المهيكل”.
محاصرة الفساد
رشيد ساري، باحث اقتصادي، قال إن “أزمة كورونا التي شهدها المغرب على غرار باقي العالم، أرست اعتقادا بأن التعاملات النقدية ستعرف انخفاضاً لصالح الأداء عبر الهواتف أو غيرها من المعاملات الرقمية الأخرى، إلاّ أن الواقع كشف عن ارتفاع متزايد في وتيرة تعامل المغاربة بالكاش، وهو ما كشفت عنه أرقام السنوات الأخيرة التي فاقت حوالي 380 مليار درهم”، معتبراً ذلك “فرملة لتنزيل استراتيجية الانتقال الرقمي التي أقرتها الحكومة”.
وأضاف ساري، في تصريح لهسبريس، أن “توفر السيولة في السوق النقدية بشكل كبير يؤثر على مستويات التضخم، كما أن ارتفاع أرقام المعاملات النقدية يساهم في تشجيع الاقتصاد غير المهيكل”، مشيراً في هذا الصدد إلى أن “القضاء على النقد يواجه بدوره مجموعة من التحديات التي وجب الانتباه إليها، من قبيل الصعوبات التي ما زالت تعتري المعاملات الرقمية”، وزاد أن “هذا يساهم في عدم ثقة المواطن في هذه المعاملات، وبالتالي تفضيله للأداء نقداً باعتباره الأكثر أمانا وسلاسة بالنسبة له”.
وضمن عرضه لأهم الإشكالات والصعوبات التي تواجه هذا الطموح المنشود، ذكر المتحدث ذاته أن “العديد من المؤسسات لا تشجّع التعاملات الرقمية وتفرض رسوماً وخصماً عليها، وهو ما يساهم بدوره في ارتفاع التعامل بالنقود، رغم أن قوانين المالية، على غرار قانون المالية لهذه السنة، تتضمن مجموعة من المقتضيات التي تسعى إلى الرفع من ثقافة المعاملات الإلكترونية لتقليص انتشار النقد”.
وتفاعلاً مع سؤال لهسبريس حول تداعيات ارتفاع وتيرة المعاملات النقدية على الأمن الاقتصادي الوطني، أشار ساري إلى أن “الكاش يعد من ضمن النقاط السوداوية التي تؤثر على نجاعة الأداء الاقتصادي الوطني، ويصعب عملية تعقب المعاملات والتدفقات النقدية التي يمكن أن تستغل لتمويل أنشطة إرهابية أو تسهيل إبرام صفقات مشبوهة وتوسيع قاعدة الفساد المالي والتهرب الضريبي، وغيرها من الأعمال غير المشروعة والمُجرمة بموجب القوانين الوطنية والدولية”.
ضرورة التأهيل
محمد جدري، باحث في الاقتصاد، قال إن “استعمال الكاش في المعاملات داخل المغرب، مازال يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني”، موضحاً أن “التعامل بالنقود يضيع مليارات الدراهم كعائدات ضريبية على خزينة المملكة، كما أنه يقوض المنافسة بين الفاعلين المشتغلين في قطاع مهيكل ومنظم ويستعمل معاملات تجارية قانونية ورقمية ويدفع الضرائب، وآخر غير مؤهل كفاية”.
وأبرز جدري، في تصريح لهسبريس، أنه “يتعين اليوم أن نقوم بمجموعة من الإجراءات للتقليل من استعمال الكاش، خصوصاً وأن كمية السيولة الموجودة خارج البنوك مرتفعة، لأن نسبة الاستبناك ضعيفة، فنحو 15 مليون مغربي لهم حسابات بنكية”، داعياً إلى “تعزيز الثقة في استعمال التكنولوجيا الحديثة والرقمنة في المعاملات التجارية البسيطة، وأن نحذو حذو كينيا، كمثال، التي صار الدفع فيها مرتبطا بالهاتف”.
وشدد المتحدث على “ضرورة تأهيل تجار القرب بالمغرب ليصبحوا متوفّرين على إمكانيات تخول للمواطنين الأداء بالهاتف أو عبر البطاقة البنكية”، مشيراً إلى “اصطدام هذه العملية بالعقليات التي مازالت تتمسّك باستعمال السيولة النقدية أكثر من أي شيء آخر، كما أن هناك مستثمرين يفضلون هذه الطريقة من المعاملة دون غيرها، وهو ما يستدعي أن نجد مخرجاً لكل هذه الأمور”.
ولفت الباحث في الاقتصاد إلى ما “يتعلق بالرسوم”، مبينا أن “المستهلك يؤدي ضريبة على الأداء قيمتها 0.025 في المائة من كل معاملة تجارية مؤداة بالنقد”، وأضاف: “بالتالي، الانتقال إلى الأداء عبر البطاقة البنكية أو الوسائل التكنولوجية يتعين أن تصحبه تسهيلات ضريبية كتشجيع للانتقال نحو استعمال الطّرق الحديثة، لأنه لا مفرّ منها، خصوصاً وأن لدينا سياقا تشكل منذ جائحة كوفيد-19”.
المصدر: وكالات