يستمر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المراهنة على تعزيز تنسيقه مع مجموعة من الدول، على رأسها المغرب بصفته حليفا رئيسيا من خارج الحلف، من أجل مكافحة ومحاصرة الإرهاب؛ فقد كشف التقرير السنوي لهذا الحلف العسكري عن استمرار المشاورات والتنسيق مع شركائه الأساسيين على هذا المستوى، من ضمنهم الرباط التي يجعلها موقعها الجيو-ستراتيجي وكذا تجربتها الأمنية شريكا لا محيد عن لـ”الناتو” في مواجهة التهديدات الإرهابية المتنامية التي تهدد مصالح دوله.
وبالنظر إلى المخاطر الأمنية وتمدد نشاط الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة في مجموعة من الدول والفضاءات الجغرافية، خاصة دول الساحل والصحراء، فإن حلف شمال الأطلسي يراهن بقوة على جعل المغرب في قلب معادلته الأمنية لتأمين الفضاء المتوسطي والأوروبي، وتوسيع التعاون مع المؤسسات الأمنية والعسكرية المغربية بما يُمكن من الاستفادة من تجاربها وتراكماتها لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين.
تهديد ورهان
هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، قال إن “هذا التنسيق يندرج في إطار الدور الاستراتيجي للرباط على المستوى الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب والإجرام العابر للقارات والجريمة المنظمة، إذ يتيح لحلف شمال الأطلسي الاعتماد على حليف ذي مصداقية وتاريخ في تدبير رهانات الاستقرار والأمن في المنطقة”.
وأضاف معتضد أن “سهم المغرب في بورصة الأمن وضبط الاستقرار واستتباب السلم والسلام على المستوى القاري والدولي، يستمد قيمته من الانخراط الحركي والمستمر للمؤسسات المغربية في تدبير الاستراتيجيات الاستباقية لحماية أمن الشعوب والدول”، مشيرا إلى أن “الرهان الدولي على المغرب، وخاصة من طرف الناتو لبناء خريطة مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه المتحركة، تفسره فعالية المؤسسات المغربية الساهرة على تدبير هذا النوع من التحديات والتهديدات الإرهابية، التي أبانت عن نجاعة مهنية جنبت العديد من الدول الغربية حمامات دماء حقيقية وأنقذت العديد من التجمعات البشرية من حدوث أفعال إرهابية مدمرة”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “الثقافة الأمنية للمؤسسات المغربية والتوجه الفكري الأمني للرباط على مستوى تدبير الملفات الأمنية والاستخباراتية، مكناه من تبوؤ مكانة عالمية في مدارس الدفاع الأمني ومكافحة الإرهاب، وجعلا من مؤسساته الدفاعية والأمنية مرجعية إقليمية ودولية للعديد من الدول والمنظمات”، مبينا أن “الأهداف الاستراتيجية لحلف الناتو لا يمكنها أن تتحقق أو تترجم على أرض الواقع دون التنسيق الأمني المباشر مع المؤسسات المغربية، نظرا للموقع الجغرافي للمغرب وضبطه للعديد من التفاصيل المرتبطة بالحركات الإرهابية والجريمة المنظمة في محيطه الإقليمي”.
وأشار الباحث ذاته إلى أن “ترابط الجماعات الإرهابية وتحركاتها خارج فضاءاتها التقليدية وتنقلاتها على مستوى الدول العربية، عوامل تجعل من المكون المؤسساتي المغربي في مجال مكافحة الإرهاب ضروريا وواجبا من أجل إنجاح أي توجه عالمي لمحاربة الفكر الإرهابي وتحركاته”، مؤكدا أن “شراكة حلف شمال الأطلسي مع المغرب ستكون لها بدون شك انعكاساتها الإيجابية على منطقة الساحل والصحراء، وستستفيد من خلالها العديد من الدول الإفريقية في هذا المجال”.
السمعة المغربية
قال موسى المالكي، باحث في القضايا الجيو-سياسية والاستراتيجية، إن “الظاهرة الإرهابية ظاهرة عالمية وعابرة للحدود. وبالتالي، فإن مواجهتها تتطلب بالضرورة تنسيقا دوليا، إذ يحظى المغرب في هذا الإطار بثقة ومصداقية وسمعة جيدة في مكافحة الإرهاب على كافة الأصعدة والمستويات، ولديه مقاربته الخاصة التي تتجاوز البعد الأمني إلى أبعاد أخرى على غرار البعد التنموي والفكري من خلال محاربة البيئة التي يمكن أن تحتضن الإرهاب”.
وأضاف المالكي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المقاربة الاستباقية المغربية في هذا الإطار حصدت إشادات وتنويها دوليا في عديد المناسبات، آخرها الإشادة الفرنسية بالدور المغربي على هذا المستوى”، موضحا أن “حلف شمال الأطلسي يراهن على تعزيز شراكته وتنسيقه مع المغرب في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ذلك أن الرباط راكمت تجربة مهمة في هذا الصدد وتعتمد مقاربات أبانت عن نجاعتها وكفاءتها في محاربة الإرهاب وطنيا ودوليا”.
وأشار المتحدث إلى أن “المغرب يبذل كذلك جهودا كبيرا لمساعدة مجموعة من البلدان، خاصة في إفريقيا التي تعاني من ويلات هذه الظاهرة، من أجل تحديث استراتيجياتها على هذا المستوى”، معتبرا أن “المهم في المقاربة المغربية أنها وإن كان ترتكز على البعدين الأمني والاستخباراتي، فإنها بالإضافة إلى ذلك تدعمها بتقديم حلول أخرى ترتكز على مفهوم التنمية وإعادة الإدماج ونشر قيم التسامح والتعايش وقيم العيش المشترك”.
وخلص الباحث في القضايا الجيو-سياسية والاستراتيجية إلى أن “هذه الأبعاد مجتمعة، أضف إليها تعزيز الشراكات والتنسيق الدولي، يمكن أن تعيد إحياء التعاون المتوسطي للتصدي للظاهرة الإرهابية، خاصة وأن الاتحاد من أجل المتوسط كان قد وضع مجموعة من البرامج في هذا الصدد إلا أنها لم تستمر”.
المصدر: وكالات