ثلاثة أيام من رمضان بدون “برامج للكاميرا الخفية” التي كانت تُعرض في أقصى درجات وقت الذروة أهمية: فترة الإفطار. تنفيذ هذه الخطوة، التي وعدت بها وزارة الثقافة والشباب والتواصل العام الماضي، أثار نوعا من “الارتياح” لدى المتلقي المغربي، خصوصا بما أن الموضوع يتعلق بالقنوات المغربية، الممولة من المال العام، التي “يُنتظر منها أن توفر مضامين سمعية بصرية قادرة أن تساير التحولات التي يعرفها المجتمع”.
وعلى الرغم من أن “البرمجة الحالية بدورها مثيرة للجدال”، فإن “برامج المقالب ‘الغائبة’ حصل شبه إجماع بشأنها بوصفها ‘مشكلة’ من حيث عدم قُدرتها على تجديد ميكانيزمات اشتغالها، وحافظت على منطق تقليدي ‘مشبوه’ ويثير الكثير من الشكوك بخصوص التواطؤ القبلي بين فريق الإعداد والضيف المحتمل للحلقة”، لاسيما أن بعض الفنانين اعترفوا بهذا “التنسيق المسبق”؛ وهو ما “خرب” كل حظوظ هذه البرامج في أن “تحظى بتقدير ما من طرف جزء كبير من المغاربة”.
“ارتياح من الفخ”
عبد العالي تركيت، رئيس جمعية حقوق المشاهد، قال إن “إيقاف عمليات التدجين والاستغباء التي كانت تحترفها برامج الكاميرا الخفية وتقترفُها في حق المشاهد تعد خطوة إيجابية، إذا قاربناها دائما بمنطق حق المشاهد في مضامين سمعية بصرية ذات جودة تحترم ذكاءه ولا تسخر منه”، رابطا “فرح” المغاربة هذه السنة بـ”انتفاء عنصر الإضحاك بوصفه الدور الأساسي المنوط ببرامج الكاميرا الخفية التي كانت تبث طيلة شهر رمضان في السنوات الماضية”.
كان ضحكا على الذقون”، هكذا يتصوره تركيت، معتبرا، في تصريحه لهسبريس، أن “المغربي حين يشعر بأن محتوى ما كان يجعله موضوعا للتهكم بحكم التمثيل المفضوح والتواطؤ توقف عن البث فسيسعده ذلك، خصوصا حين يقارن هذه البرامج تحديدا مع أخرى معمول بها في بلدان عديدة”، وأضاف: “يعني ذلك أن القائمين على هذه المضامين همهم هو خلق البلبلة، وليس تقديم مفاهيم جديدة تتماشى مع الخصوصية العالية للشهر الفضيل”.
وتابع شارحا: “الكاميرا كاشي” في حمضها النووي هي دعابة، تخفف عن المشاهدين وتقلل توترهم؛ ولكن حين أصبحت فخا للمتلقي فقد خرجت عن السيطرة، خصوصا في سياقنا المغربي”، مبرزا أنها “أصبحت نوعا من الريع، مع أن الذي يمكن أن نرافع عنه هو تجويدها وليس حذفها أو حجبها، لاسيما أنها تُمول من المال العام وتُعرض في القنوات العمومية؛ وهي فرصة أيضا لندعو إلى التغيير الشامل للبرمجة الرمضانية”.
“تكرار غير فني”
بوبكر الحيحي، ناقد سينمائي وفني، أرجع “ارتياح المغاربة جراء غياب برامج المقالب من البرمجة الرمضانية لهذه السنة إلى التكرار غير الفني الذي كان عنصرا متواترا في مجمل حلقات هذه البرامج طيلة السنوات الماضية”، موضحا أن “المشاهد صار يحفظ الخطوات ويعرف كل مرحلة سيمر بها الضيف، بشكل غيّب عنصر التشويق وعنصر الضحك أيضا. أمست محتويات تثير الملل والنفور”.
وتطرق الحيحي، في تصريحه لهسبريس، إلى “جودة برامج الكاميرا الخفية في تونس، وتفوقها على المستوى المغاربي، لكونها تستطيع أن تُضحك فعليا”، لافتا إلى “انتفاء هذا الرهان في عينة البرامج التي كانت تُبث في قنواتنا المغربية خلال السنوات الماضية”، وأضاف: “من هذا المنطلق، عد مغاربةٌ وقفها خطوة إيجابية، ليس كفكرة بل كنموذج بات مرفوضا بشكل يشبه الإجماع؛ لأن الكاميرا الخفية مهمة حين يكون الإنسان متعبا جراء الصيام ويصادف في النهاية محتوى ناضجا في شكل مقالب”.
وذكر الناقد السينمائي أن “بعض الممارسات كانت تحط من كرامة الضيوف”، معتبرا أن “عودة هذه البرامج في السنوات المقبلة أمر ممكن؛ لكن شريطة أن تكون نضجت وأن يلتقط القائمون عليها هذا ‘الرفض المجتمعي’ بالكثير من المسؤولية ليراجعوا مضامينهم قبل التفكير في إطلاقها”، لأنها “لا تُلقى في أرض خلاء، بل تُقدم لمشاهدين يتعين أن يتم احترام ذكائهم والسعي الحقيقي إلى الرقي بذوقهم العام من خلال الترفيه”.
المصدر: وكالات